يحكى أنه كان هناك زوجين ، بعد أن تزوجا بأشهر قليلة ، شاء الله تعالى أن تحمل الزوجة ، ففرح الزوجان لهذا الخبر كثيرًا ، وظلا ينتظران اللحظة ، التي يحين فيها رؤية مولودهما الجديد ، وبالفعل جاء موعد الولادة ، ولكن الزوجة مرضت كثيرًا ، أثناء إنجابها لطفلها الصغير ، وتطورت حالتها كثيرًا ، وتثاقل عليها الإعياء ، وتوفاها الله ، واختارها إلى جواره .
توفيت الأم ، وتركت زوجها ، وقد تملكته مشاعر الحزن ، والألم الشديد على فراقها ، وتركت له قطعة منها ، لا يعلم كيف يدبر أموره ، وهو لا زال مولودًا ، وبعد مشاورات كثيرة ، وقع الاختيار على أن ينتقل الطفل إلى بيت خالته ، حتى ترعاه مع أبنائها ، وافق الأب على ذلك ، وكان يطمئن على الطفل بشكل متكرر .
حينما بلغ الطفل الرضيع سبعة أشهر ، قرر الأب أن يتزوج من امرأة ، ترعاه ، وترعى صغيره ، حتى يتمكنان من العيش كأسرة واحدة ، وحتى لا يثقل على خالته أكثر من ذلك ، وبالفعل تزوج الأب ، وجلب طفله ، ليعيش معهما ، ولكن الزوجة الجديدة ، لم تكن لتطيق ذلك الطفل المسكين ، فجعلت مسئوليته كاملة على مدبرة المنزل ، التي أثقلت عليها حملها ، من شئون النظافة ، وإعداد الطعام ، والغسل ، والكي ، إلى آخر مسئوليات المنزل ، التي لا تنتهي ، هذا إلى جانب العناية بالصغير .
الأمر الذي جعل مدبرة المنزل ، تنشغل عن ذلك الطفل في كثير من الأحيان ، نظرًا لمشاغلها التي لا تنتهي ، وأوامر الزوجة الجديدة ، التي تكدر عليها صفو حياتها ، ولا تجعلها تهدأ لحظة واحدة ، فكم كانت شخصية متحكمة ، ومتآمرة إلى درجة كبيرة ، وفي المقابل كان الزوج لديه العديد من المسئوليات في عمله ، وعندما يعود إلى المنزل ، يلاعب صغيره ، ويهتم به لفترة قصيرة ، دون أن يعلم ما يقاسيه الطفل من إهمال شديد .
شاءت الأقدار ، أن تنجب الزوجة الجديدة طفلين ، مما جعلها تزداد قسوة على الطفل الذي كبر قليلًا، وبلغ من العمر ثلاث سوات ، وذات يوم ، أرادت أن تعد وليمة كبيرة لأهلها ، فأمرت مدبرة المنزل من الإعداد لها على أكمل وجه ، مما جعلهم طوال اليوم في غفلة عن الطفل ، ولم يهتم أحد لأمره على الإطلاق ، فلم يأكل شيئًا من الصباح ، حان الوقت ، وأتى الأهل للوليمة ، حينها لمعت عين الطفل ، فهو لم يتذوق شيئًا من الصباح ، والمائدة تحوي كافة ما تشتهي إليه الأنفس ، من ألوان ، وأنواع شهية من الطعام .
أسرع الطفل للجلوس على المائدة ، فنهرته زوجة والده ، ووضعت له بعضًا من الأرز في طبق صغير ، وأمرته أن يذهب إلى فناء المنزل ، ليتناول طعامه ، ولم يلومها لائم من الجلوس ، وأخذوا جميعًا يتناولون الطعام بتلذذ ، والطفل جلس في فناء المنزل ، واغروروت عيناه بالدموع ، وشعر بالبرد القارص ، وانتهى اليوم ، لكن الطفل قد غلبه النوم من شدة البرد ، وحزنه الشديد ، والجميع تأهلوا للنوم .
عاد الزوج ، وسأل الزوجة عن ابنه ، فأخبرته بأنه نائم مع مدبرة المنزل ، فاطمئن ، ونام ، فجاءته زوجته الأولى ، تقول له ” اهتم بأمر صغيرك ” ، فاستيقظ مضطربًا ، فأخبرته زوجته بأنه مع الخادمة ، وهو بخير ، فعاد إلى النوم ، فرأى زوجته ثانيةً تقول له : ” اهتم بأمر صغيرك ” ، فاستيقظ مفزوعًا ، فطمأنته الزوجة ، ونام ثانية ، فرأى زوجته ، تقول له : ” قضي الأمر ، لم تهتم بأمر صغيرك ، فجاء به الله إلى جواري ” ، فاستيقظ مهلوعًا ، يبحث عن صغيره ، فلم يجده ، ظل يبحث ، حتى وجده في الفناء، وقد ازرق جسده ، من شدة البرد ، وصعدت روحه إلى بارئه ، وبجانبه طبق الأرز ، الذي لم يتناول إلا نصفه من فرط جوعه .