قصة عن التفاؤل والثقة بالله

في زمنٍ ليس ببعيد ، كانت هناك امرأة توفي عنها زوجها ، فأكملت حياتها ، وهي أرملة ، تعول أبناءها الصغار ، وتكتفي بتربيتهم تربية صالحة ، وعاشت بقية حياتها على ذكرى زوجها ، الذي أحبته ، وأخلصت إليه كثيرًا ،عاشت في بيتها وحيدة ، وكان بيتها بسيط الحال ، وكانت متطلباتهم المادية يدبرها لهم الله جل علاه ، فكانت تقضي احتياجاتها ، واحتياجات أبنائها بالكاد ، وكانت دائمًا ما تستعين بالله سبحانه وتعالى في كل أمر ، فهو نعم المعين على مصاعب الحياة ، ومآسيها .

ورغم الحالة المتواضعة ، التي عاشتها تلك السيدة الفاضلة ، وأبناؤها الصغار في السن ، إلا أنها كانت تولي رعايةً ، واهتمامًا مكثفًا لأبنائها ، وتمنحهم المزيد من المشاعر التي تفيض بالعطف ، والحنان ، والرعاية ، ولم تقنط يومًا من رحمة ربها ، ولم تتذمر لحالتهم تلك ، بل إنها ظلت مؤمنة ، صابرة ، محتسبة ، ترضى بقضاء الله جل علاه ، مهما صار ، ومهما آلت بهم الأمور .

وفي ليلة من الليالي ، لما جاء المساء ، تأهل الأطفال إلى النوم ، فلما ناموا بأمان ، فجأة اشتد هطول الأمطار ، وزادت الرياح بشدة غير مسبوقة ، فكان الهواء يطيح كل شيء أمامه ، وللأسف الشديد ، كان البيت الذي تسكن فيه المرأة الأرملة ، وأطفالها الصغار ، ذات أساس ضعيف للغاية ، فظلت تلك الأم المسكينة مستيقظة طيلة هذه الليلة ، تخشى على صغارها ، الذين استيقظوا على هلع من الأصوات التي يسمعونها .

فاحتضنت الأم صغارها ، وحاولت تدفأتهم بكل ما لديها ، فالجو بارد ، لدرجة لا يمكن تحملها ، وأخذت تدعو ربها ، وتناجيه أن يحفظ لها صغارها ، وأن يدبر لهم أمورهم ، فكرت الأم للحظات ، ثم نهضت ، وأحضرت في هذه اللحظة وريقة صغيرة الحجم ، وقامت الأم بكتابة بعض الكلمات ، ووضعت الوريقة في شق موجود على الحائط ، بعيدًا عن صغارها .

لاحظ أحد الأطفال ما فعلته أمه ، دون أن تعلم ، مضت الليلة على خير ، ومرت الأيام ، يوم تلو يومٍ ، وشهر تلو شهرٍ ، وعام تلو عامٍ ، وكبر الصغار ، وترعرعوا ، وأصبحوا مثقفين ، ولهم شأن عظيم ، وحال الأسرة تبدل كثيرًا عن ذي قبل ، فقد تركوا بيتهم المتواضع ، وانتقلوا إلى إحدى المدن ليعيشوا في بيت كبير بها .

وعقب مرور عام ، توفيت الأم ، وحزن الجميع على فقدانها ، وظل العزاء طيلة ثلاثة أيام متتالية ، فاجتمع أبناؤها ، والحزن يملؤ قلوبهم ، وأخذوا يستعيدون ذكريات طفولتهم ، مع أمهم الحنونة ، وبينما هم يسبحون بمخيلاتهم ، وذكرياتهم ، إذ بالأخ الأكبر ، وقد تذكر ما فعلته أمه ، وقت العاصفة ، والورقة التي وضعتها بعيدًا عنهم ، فعلى الفور أخبر إخوته بما حدث في بيتهم القديم .

فعزم جميعهم على الذهاب إلى بيتهم القديم ، ليكتشفوا أمر الوريقة ، وماذا كتبت فيها أمهم ، رحمها الله تعالى ، وبالفعل ذهبوا على الفور ، وكلهم شغف ، ليتعرفوا على ما تتضمنه الوريقة بين ثناياها ، فلما ذهبوا إلى البيت ، توجه الابن الأكبر ، والتقط الورقة ، التي كانت توضع خلف حجر ، في شق في الحائط ، فلما سحب الورقة من الحائط ، أخذ البيت يهتز بعنف ، فخرج الجميع مسرعين ، خوفًا من أن ينهال البيت عليهم ، وبعد ثوانٍ معدودة ، انهال البيت ساقطًا .

حمد الأبناء ربهم ، وتعجبوا لما حدث ، وفتحوا الورقة ، فإذ بهم يجدون فيها : ” فلتصمد بأمر الله ” ، فبكى الأبناء بحرارة شديدة ، ودعوا لأمهم بالمغفرة ، فكم كانت تقية ، وشديدة الثقة بالله ، فأراها الله عجائب قدرته ، فقط ثق في الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *