قصة قضية النملة

تختلف أنواع القضايا في المحاكم تبعًا لظروفه كل قضية وملابستها وأحداثها ، ومن المعروف أن الطرفين المتنازعين أو المدعي والمدعي عليه يختلفان في قضايا واضحة الملامح وقوية الحجة ؛ مثل قضايا القتل أو النصب أو السرقة أو الاعتداءات ؛ وغيرهم الكثير ، لكن قد يبدو الأمر مثيرًا وغريبًا عندما يرفع أحد الأشخاص دعوى قضائية ضد شخص أخر مُدعيًا أنه دهس نملة أمام عينيه بلا رحمة .

لم تكن تلك هي القضية الأولى التي يرفعها ذلك المواطن على نفس الشخص المتهم بدهس النملة ؛ بل إنها المرة الثانية بعد ثماني سنوات ؛ حيث رفع نفس القضية منذ ثماني سنوات ؛ غير أن قضيته لم تُقبل من هيئة المحكمة في تلك الفترة ، وأراد أن يُعيد الأمر من جديد ؛ فتقدم بطلب التحقيق مع ذلك المتهم بدهس النملة ؛ لأنه يرى أنه خالف تعاليم الشريعة الإسلامية في مخالفة الرفق بمخلوقات الله عزوجل .

وفي حادثة تُعتبر الأغرب من نوعها وافق قاضي المحكمة على قبول تلك الدعوى المثيرة للجدل ؛ وطالب المدعي بتوقيع عقوبة شديدة على المدعي عليه لأنه يستحق ذاك لأنه لم يتعامل مع النملة برحمة وقام بقتلها متعمدًا بقدميه .

قام القاضي بفتح جلسة خاصة بالمدعي الذي تعامل كوكيلًا لتلك النملة القتيلة ؛ وقام بسرد روايته ؛ كما أوضح بالأدلة والبراهين أحقية النمل في حياة آمنة .

استمع القاضي إلى قصة المدعي حتى النهاية ؛ ثم قال له أنه بالفعل قد قَبل تلك الدعوى منه ؛ ولكنه لا يجوز أن يُكمل تلك القضية لأنها غير مكتملة الأركان ؛ لأنه أصبح وكيلًا النملة ؛ ولكن بشكل غير شرعي ؛ لأنه لم يقوم بإحضار وكالة شرعية من أهل تلك النملة القتيلة ، وأوضح القاضي أنه لا يمكن الاستمرار في العمل بتلك القضية إذا لم يكن هناك وكيلًا شرعيًا ينوب عن بني النمل في القضية .

أعرب المدعي عن أسفه لعدم النظر في قضيته ، وقال أنه مازال يطالب بمقاضاة المدعي عليه الذي لا يعرف معنى الرحمة الإنسانية ؛ لأنه قتل النملة أمام عينيه بطريقة لا تتلاءم مع تعاليم الدين الإسلامي الذي يأمر بالرفق والرحمة بكل المخلوقات من الحيوانات والطيور والزواحف وغيرهم طالما أنها غير ضارة للإنسان ؛ لذلك فإنه من الحرام قتلهم بمثل تلك الطريقة الوحشية .

أكدّ المدعي أنه لازال عند موقفه من تلك القضية ؛ رغم الاعتراضات التي واجهته من المواطنين والموظفين ؛ غير أنه أوضح أنه سيستمر بمطالبة تطبيق العقاب على الجاني ؛ لأنه يستحق ذلك ، كما قال أنه يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في مثل تلك القضايا.

أخبر المدعي أيضًا أنه واجه الكثير من الانتقادات المجتمعية ؛ ولكنه لم يتراجع عن مواقفه طيلة الثماني أعوام منذ رفض دعوته ضد المدعي عليه ؛ كما قال أنه لن ييأس من السعي إلى تقديم الجاني إلى المحكمة ومقاضاته مقابل فعلته الشنيعة التي أساءت إلى مخلوق ضعيف لا يستحق إلا الرحمة .

لم يظهر المدعي عليه ولم يرد على ذلك الاتهام الموجه إليه بقتل نملة عمدًا بشكل وحشي عن طريق دهسها ؛ وكأنه أراد أن ينأى عن الأنظار ؛ لأنه على دراية بأن ذلك النوع من القضايا قد لا يكتمل ؛ وهو ما حدث بالفعل مع تلك القضية التي تُعتبر من أغرب أنواع القضايا التي يُمكن أن تُقدم أمام هيئة قضائية لتحكم فيها .

إن القضية المذكورة أو قضية النملة تُعتبر قضية مجتمع بأكمله ؛ حيث أن الرحمة الإنسانية اُنتزعت من قلوب كثيرة ؛ لا فيما يخص التعامل مع الحيوانات والطيور والزواحف فقط ؛ ولكن فيما يخص تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان ؛ حيث تضاعفت الجرائم والحروب والمنازعات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *