قصة المتسولة

تم ملاحظة وجود سيدة تقف في زوايا أحد الشوارع ، منذ عدة أشهر والذين كانوا يسألونها كانت تخبرهم ، بأنها تنتظر ابنها الذي نزع منها وهرب إلى بلدة أخرى ، وأحيانًا كانت تتمتم بكلمات يفهم منها أنها تكره الفضوليين .

وكانت لا تغيب عن ذلك المكان إلا في أيام نادرة ، ولوحظ إنها تتقدم أحياناً لأحدي السيارات العابرة ، بالطريق وتقف على بعد خطوة أو اثنين منها ، حتى ينتبه لها صاحب السيارة وتثبت نظراتها عليه ، حتى إذا لمست منه اهتماماً ، تقدمت نحوه وهي ترسم على ثغرها نصف ابتسامة ، ثم تطلق العنان لكلماتها التي توهم من تحدثه ، إنها تعرفه منذ أمد بعيد .

هي قصة ذاتها تكررها بل قصة مأساة تعيشها ، بسبب اختطاف وليدها وتصمت حينما يأتي واحد ، من هؤلاء الاطفال أو المراهقين الذين يتسولون ، تحت غطاء بيع المناديل الورقية بل وكثيراً يصيح في وجهها ، البعض مدعي إنها كاذبة ثم ينطلق هارباً ، ويعلم هؤلاء المتسولين إنها ، لا ترحم من يقع في قبضتها .

ما كان يلفت النظر إلى تلك التي ينادونها زهرة ، إنها عكس متسكعين كثيرين حيث كانت تحافظ على ، حد أدنى من نظافة الملبس ولعل ذلك مما يجعل من تقترب ، منهم يأسفون لقصة هذه الأم ، التي تطلب المساعدة لتستطيع اللحاق ، بابنها واستعادته لكن قله هم من يتوقفون ، عند التفاصيل ومن يلح عليها في السؤال تتركه وتمضي .

تعي المرأة والتي يبدو إنها لم تتجاوز الخمسين ، أن قصتها تلك تدر عليها من الصدقات رغم ، أنها لا ترتدى ملابس بالية ولا تحسب من المتسولين ، بل كثيرون عرضوا عليها المساعدة في العثور على ابنها ، وكانت ترد بأن ما تحتاج إليه هو بعض المال للحاق ، بها وتزعم أن زوجها الذي انتزع منها ابنها ، قد يكون انتقل به إلى بلدة أخرى ، وقصتها تجعل البعض أكثر سخاءً .

مع مرور السنوات صار الكثيرون يتجاهلونها ، عند الاقتراب منهم وصارت وجهاً معروفاً ، ولم تعد قصتها تثير العواطف وكانت حينما تثار الشكوك ، حول قصتها كانت تغيب عدة أيام ثم تعود مرة أخرى من جديد ، بل وكان البعض يتساءلون فيما تنفق تلك السيدة ، كل تلك النقود التي تجمعها من التسول .

كانت السيدة تختفي من المشهد عند حلول المغرب ، وتركب سيارة أجرة ثم تذوب في الزحام وليس غريباً أن تثير وتيرة ، حياتها الفضول ومنهم شخص يدعى عبد الواحد ولذا أوكل إلى أحد من رجاله ، مراقبتها عن كثب وكان يريد أن يعرف عنها كل شيء ، ولذا لم يتردد ذلك الشخص الذي يراقبها في اقتحام سكنها وكان في المنزل ، فراش وخزانة ملابس ومطبخ يظهر ، أنه لا يستعمل إلا نادراً .

لم يكن فيما اكتشفوه ما يلفت الانتباه ، لكن لم يقتنع عبد الواحد وطلب مراقبة يومها كاملة وقد لاحظ من راقبها طيلة اليوم والذي ركب معها سيارة الأجرة ، في طريق عودتها لمنزلها إنها وقبل أن تمضي إلى حيث تسكن تتوقف عند منزل أخر ، ولا تبقى في ذلك المنزل أكثر من نصف ساعة ، ثم تخرج وتمضى إلى منزلها .

طلب عبد الواحد من الصبي الذي أوكله ، بمراقبتها أن يحاول معرفة من يسكن ذلك المنزل وإلى من تعود ، ملكيته وعرف الصبي أن ذلك المنزل يسكنه ، رجل يدعى العسال فسعى للقاء ذلك الرجل وبسؤاله ، عن تلك المتسولة علم منه أنها مدمنة على الكوكايين ، وتأتي إليه كل مساء لتحصل على جرعتها ثم تمضي إلى حالها .

أندهش عبد الواحد مما قيل له ، ولم يكن يظهر على تلك السيدة ما يوحي ، بعلامات الإدمان لكن يعلم عبد الواحد ، أن العسال لديه الكثير ليخبره عن تلك السيدة ، وأن علاقته بالمتسولة أكثر من مجرد ما ذكره ، وظل يطلب من رجاله مراقبة تلك السيدة لتوفير معلومات عن ، وجود أي علاقات بأشخاص أخرين .

ولوحظ إنها تلتقى مرة كل يومين أو ثلاثة بشخص يأتي خصيصاً لمقابلتها ، وكان يأتى راكباً دراجة نارية ، ويسلمها كيساً صغيراً ثم يغادر وزعم عبد الواحد ، أن تلك السيدة تقيم علاقة مشبوهة مع العسال ، أي إنها تعاونه في نقل بضاعته فقرر أن يستحضر ، المتسولة لإحدى منازله وطلب من احد ، رجاله أن يستدرجها وان كان الامر بالقوة .

ركبت السيدة مع ذلك الرجل في سيارته ، وظنت إنها الشرطة فلم تحاول الصراخ أو المقاومة ، حتى وصلت إلى منزل عبد الواحد وطمأنها ، فتبعته ومضى بها إلى الصالون وأجلسها ، وهو يعلم أن وقت جرعة الكوكايين أقترب فلاحظها تمسك بذراعها ، وتشعر ببرد شديد فطلبت ، منها أن تتركه ليغادر .

فأخرج لها جرعة من الكوكايين وأسرعت ، لـتأخذها منه لكنه أمتنع وكانت حالتها تزداد سوءاً ، وحينها أخبرها أنه يريدها أن تعمل لحسابه ، وأخبرها أنه يعلم ما تقوم به فوافقت مقابل جرعة الكوكايين .

وعرض عليها أن تساعده في تهريب أحجار كريمة ، سيتعين عليها تخبئتها في ملابسها ووعدها ، بتوفير ما تحتاجه من الكوكايين وحذرها من الانقلاب عليه ، عندما أخبرها أنه يعلم زوجها السابق ، وإن حاولت الغدر به سيسلمها لزوجها ، وكان لا يعلم زوجها كما ادعى بل علم تلك القصة وحسب .

مر على ذلك اللقاء عامين وظلت تتظاهر بالتسول ، وتكرر الحكاية اياها ثم ذات مساء وهي تنتظر سيارة الأجرة ، التي تقتادها لمنزلها وكان معها ذلك الكيس المملوء بالأحجار الكريمة ، دار في ذهنها الهرب من تحت قبضة عبد الواحد ، ومضت مسرعة إلى محطة الحافلات وكانت إحداها ، على وشك الانطلاق وهربت من قبضة عبد الواحد ، لتعود إلى بلدتها وتبدأ حياة جديدة مع ولدها ، الذي تركته مع والدتها بحجة العمل ، وتوفير سبل العيش المريح له .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *