منذ أكثر من 1400 سنة ، حدثت هذه القصة ، في تلك الأيام البعيدة ، كان يعيش في بلاد العرب ، في مدينة مكة ، شاب قوي قوي بالغ القوة ، طويل عريض ، مفتول العضلات ، أحمر الوجه ، في نظراته قسوة ، تلقي الرعب في النفوس ، وفي صوته عنف رهيب ، يثير الفزع في القلوب .
طفولة المارد الجبار :
وعندما كان صغيرًا ، كان يمتاز بالجرأة الشديدة ، وحب المغامرة ، وكان يهوى النزال والعراك والمصارعة : صارع أقرانه من الفتيان فغليهم جميعًا ! وصارع من يكبرونه من الشبان فهزمهم جميعًا ، وأصبح معروفًا بينهم باسم : الزعيم ، البطل الذي لا يغلب .
المارد الجبار وشبابه :
وكبر ، وأصبح شابًا ، فأصبح الفارس المغوار ، الذي لا يشق له غبار ، بارعًا في الضرب بالسيف والرمح ، والسهام والنبال ، إذا سار أفسح له الجميع الطريق ، ودبّ الرعب في نفوسهم ، لأنه كان شديد البطش ، وكان فظًا غليظًا عنيفًا قاسيًا لا يرحم .
قوة المارد الجبار :
ولما لم يجد أحدًا من الفتيان أو الفرسان ، يجاريه في قوته وبأسه ، كان يخرج بفرسه إلى الجبال ، يطارد الوحوش في الهضاب والوديان ، ويصيدها بالسهام والنبال ، ويصيبها الموت برمحه الفتاك ، وسيفه البتار .
إبل المارد الجبار والزعر :
وكان كعادة العرب يرعي إبل أهله ، وفي يوم من الأيام ، ساق الإبل أمامه ، واتجه بها إلى مكان غني بالعشب والشجر ، لترعى فيه ، وكان قد سبقه إلى هذا المرعى الخصيب بعض الرعاة ، وكانت إبلهم ترعى سعيدة بالعشب النضير ، والماء الوفير ، وفجأة : لمح الرعاة إبل المارد الجبار تتجه إليهم ، فهبوا مذعورين ، كأن عقارب الدنيا كلها قد لسعتهم ، وأسرعوا يسوقون إبلهم بعيدًا عن هذا المكان ، ليتقوا شر هذا الجبار الذي لايرحم .
ابنة المارد الجبار :
وكعادة العرب أيضًا في تلك الأيام ، كان الواحد يضيق إذا ولدت له بنت ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } صدق الله العظيم .
وفي يوم من الأيام ، ولدت زوجة المارد الجبار بنتًا ، فغضب وضاق بهذا أشد الضيق ، ومرّت الأيام ، حتى جاء يوم كان يجلس فيه بجوار الكعبة ، فعيّره أحد الرجال بابنته ، فاستشاط الجبار غضبًا ، وقام من فوره وذهب إلى بيته ، واندفع كالإعصار ، وانتزع ابنته من أحضان أمها ، وحملها وخرج .
قسوة ووحشية المارد الجبار :
وسار حتى وصل إلى الصحراء ، في ضواحي مكة ، ثم حفر حفرة في الرمال ، وأمسك ابنته الصغيرة ، وهي تنظر إليه في براءة الملائكة ، ووضعها في الحفرة ، فبدأت تصرخ ، ولكنه ردم فوقها الرمال في عنف وقسوة ، ودفنها وهي حية ، ثم نفض يديه وملابسه من التراب ، وعاد إلى بيته كأن شيئًا لم يحدث! فهل رأيت قسوة ووحشية أكثر من هذا !
ظهور الإسلام :
وفي تلك الأيام ظهر الإسلام ، وأشرق بنوره ، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ، يدعو قومه سرًا إلى عبادة الله الواحد القهار ، وترك عبادة الأصنام ، وأسلم عدد قليل ، ولاقى المسلمون الأوائل ألوان من التعذيب والاضهاد لا حصر لها ، وكان المارد الجبار من أشد الناس تعذيبًا للمسلمين .
مشاركة المارد الجبار في تعذيب المسلمين :
وكانت عنده جارية اسمها زنيرة ، أسلمت فكان المارد يذيقها العذاب ألوانًا ، ليلاً ونهاراً ، حتى فقدت بصرها ، وأصيبت بالعمى ، وحلّ بها الهزال ، وأصابتها الأمراض ، ولكنها ثبتت على دين الإسلام ، ورفضت أن تعود إلى الشرك بالله ، وإزداد ضيق المارد الجبار بالإسلام والمسلمين ، ووجد أن التعذيب لا يزيدهم إلا تمسكًا بدين الله !.
البحث عن الرسول لقتله :
ففكر المارد الجبار ، ماذا يفعل ؟ وهو الذي لا يطيق أن يخالفه أحد من الأبطال ، فكيف يقبل أن تتحداه جارية اشتراها بالمال ؟..ووصل به تفكيره إلى أن الحل الوحيد هو أن يقتلع المشكلة من جذورها ، ويتخلص من الإسلام بأن يقتل الرسول الذي يدعو إلى الإسلام ، وسار يبحث عن (محمد) ليقتله !
دخول أهل المارد الجبار في الإسلام :
فقابله رجل من شيوخ قريش ، وقال له : بدلاً من أن تظهر قوتك على ضعفاء المسلمين ، أرنا ماذا تستطيع أن تفعل مع أختك وزوجها ؟ فصاح فيه المارد الجبار : ماذا فعلا ؟ قال الرجل : لقد دخلا في دين الإسلام ، وهما الآن يقرآن قرآن محمد في بيتهما سرًا ! صاح المارد صيحة رهيبة زلزلت أركان المكان !
نعم أسملنا :
واتجه إلى بيت أخته وزوجها ، والشرر يتطاير من عينيه ، ووصل إلى البيت فسمع همسًا من وراء الباب ، ووقف ينصت ، فسمع قراءة لكلام لم يسمع مثله أبدًا ، فتأكد أن أحدًا يقرأ القرآن ، فدق الباب بعنف وقوة ، ودخل وهو يصيح فيهما بما سمعه عن دخولهم في دين الإسلام ، فقال له زوج أخته وقد امتلأ قلبه بقوة الإيمان : نعم .. أسلمنا .
فهجم عليه المارد الجبار ، وألقاه على الأرض ، وأنهال عليه ضربًا بعنف ، وقسوة فأرادت الأخت أن تنقذ زوجها من بطش أخيها الجبار ، فاتجه إليها ، وضربها على وجهها بشدة ، فسال الدم من أنفها ، ثم ضربها على رأسها ، فتفجرت منه الدماء بقوة ، ولكنها اتجهت إلى أخيها المارد الجبار ، والدماء تغمر وجهها ورأسها ، وصاحت بقوة الإيمان ، وعزة المؤمن : نعم أسلمنا ..فافعل بنا ما تشاء ! اقتلنا إذا أردت .. ولكننا لن نرجع عن الحق بعد أن عرفناه .
سر هذا الدين :
ونظر المارد الجبار إلى أخته ، والدماء تغطي وجهها ورأسها ، فشعر ببعض الندم ، ودهش من شجاعتها وشجاعة زوجها ، وجرأتها أمامه ، وهو الجبار الذي يرتجف أمامه الجميع ، وتذكر شجاعة جاريته زنيرة ، وثباتها على دينها ، فأراد أن يعرف سر هذا الدين الجديد ، الذي يبحث في نفوس أصحابه هذه العزة والشجاعة النادرة .
لا يمسه إلا المطهرون :
فطلب من أخته أن يرى هذا القرآن ، فقالت له بقوة وتصميم : إنه في هذه الصحيفة ، وهو كلام رب العالمين ، لا يمسه إلا المطهرون ، فاذهب أولاً واغتسل ، ثم اقرأ ما فيها ، صمت المارد الجبار ، وقد وجد أول مره أحدًا يتحداه ، ويصدر إليه الأوامر ، ولدهشته وجد نفسه يطيع أخته ، ويذهب إلى مكان في المنزل ، ويغتسل ثم يعود .
سورة طه :
ثم أخذ الصحيفة ، ويقرأ قول الله تعالى : {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ * وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}صدق الله العظيم .
إسلام المارد الجبار :
أثرت هذه الكلمات الإلهية في نفس المارد الجبار ، فخشع قلبه ، وخشعت جوارحه ، وأدرك أن هذا الكلام ليش من قول بشر ، ونظرت أخته إليه ، فوجدت الدمع يسيل من عينيه ، وقال بخشوع : دلوني على محمد ، وذهب اليه وأسلم على يديه ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أنك يا محمد رسول الله .