قصة جبينة

ولد لرجل وأمراته بنتي جميلة بيضاء ، فسمياه جبينة وفرحا ها كثيرًا وربياها تربية حسنة وصار لا يحبان مفارقتها لظة واحدة ، وكان لذلك الرجل امرأة أخرى ، لم تنجب أطفالًا فصارت كلما رأت جبينة تشتعل نيران الغيرة والحسد في صدرها ، ولكنها كانت تتظاهر بمحبتها لجبينة والعطف عليها حرصًا على زوجها وتمسكًا بالعلاقة بينهما وذات يوم قال الرجل لزوجته سأسافر أنا وأم جبينة يومًا أو بعض يوم ، فاحرصي على جبينة واحذري أن يصيبها أي مكروه .

ولكنه لم يعد ولم تعد أم جبينة فقد لقياهما سبع ضال في الطريق فقتلهما ولم يترك لهما أثرًا ، ومنذ ذلك اليوم خلى الجو لأمرأة الأب فتنمرت لجبينة ، وأخذت تتفن في تعذيبها وإيزائها وطمس معالم جمالها ، فمنعتها من تسريح شعرها وأمرتها بدهن وجهها وأطرافها بالسناج عند طلوع الشمس ، قبل أن تسرح بالغنم وحرمتها من لبس الثياب الجديدة ودأبت على تهديها بالضرب والجوع إذا عصت لها أمرًا .

أعتادت جبينة أن تنهض من نومها قبل طلوع الشمس فتدهن خديها ويديها وقدميها بالسناج تلبية لأمر سيدتها ثم تأخذ كسرة خبز وحبات زيتون ، وتضعها في معولها الصغير وتسوق الأغنام إلى الحقول والمراعي النائية حيث تظل طوال النهار ، وكانت تذكر ماضيها السعيد وما لقيت من أبيها وأمها من عطف وحنان فإذا هبت الريح غنت لها بقلب جريح بالله يا ريح أذهبي قولي لأمي وأبي كم لقيت بنتكما من العذاب بعدكما وهي مع الأغنام تحيا بلا كلام وفي تلك الليلة فكرت جبينة كثيرًا ولم تنم تلك الليلة حتى دبرت في نفسها أمرًا .

وفي صباح الغد نهضت كعادتها ولكنها أخذت معها سرة صغيرة من الثياب ثم ساقت أغنامها لرعيها في الحقول ولما انتصف النهار ، أخذت الأغنام إلى الغدير لتسيقيها واقتربت من الماء وغسلت وجهها وساقيها ويديها فبدت بيضاء من غير سوء وكانت راضية عن نفسها سعيدة ولما آذنت الشمس بالغروب فتحت السرة الصغيرة فدهنت خديها وساقيها ثم يدها اليسرى وعندئذ مر فارس على حصانه في ذلك المكان فرأى ما تفعله بنفسها فتعجب أشد العجب .

ولكنه كان مشغول برسالة يؤديها فمضى إلى حال سبيله ، وفي تلك الليلة نام الفارس وهو يفكر فيما رآه في يومه من أحداث غريبة ورأى فيما يراه النائم أنه كان راكبًا على حصانه لقرب داره فطار به الحصان في اتجاه غيمة رقيقة سوداء فلما بلغها إنشق وظهر القمر أمامه فتناوله بيده ، وعندئذ هبط به الحصان عند باب داره ، وهناك دخلها والقمر في يده ، وفي الصباح قص الفارس الرؤيا على أحد المفسرين فقال له هذه عروس بيضاء في بياض الجبن عليها ثياب سوداء تتزوجها وتكون أم أولادك عما قريب .

تذكر الفارس الشابة فركب حصانه وانطلق به يسابق الريح ، فوجدها راجعة بأغنامها إلى البيت فحياها فردت التحية ، وعندما سألها عن حالها فأجابته بصراحة تامة وبعد أن دخل البيت أخبر الفارس امرأة الأب بأنه جاء غاضبًا فلما عرفت أنه جاء يخطب جبية صعقت وماتت من شدة الغيظ وبعد أيام أعلن عن زفاف الفارس وجبينة ..