قصة المجنون

انصرفنا من المدرسة وعدنا إلى بيوتنا فرحين كنا مجموعة من الأطفال نتحادث ونضحك ونقفز وفي الطريق شاهدنا مجنونًا فصير القامة أسمر البشرة أشعث الشعر يرتدي ثوبًا باليًا ويكشف عن صدره تحلقنا حوله ننظر إليه بفضول ونخسر من مظهره بعبارات جارحة ، انظروا إلى لعابه كيف يسيل ما أبشع منظره إنه يسير حافيًا وما أكره رائحته .

أظن أنه لم يغتسل في حياته انفجرنا ضاحكين وظل المجنون صامتًا ويرمقنا مدهوشًا ، فاقبلنا عليه نغيظه ونؤذيه يأتيه من بين يديه ونأتيه من خلفه وهذا يشد شعره وذاك يشد ثوبه وأخر يدفع ظهره وهو يلتف ذات اليمين وذات الشمال ولا يدري ماذا يفعل ولم نكتفي بذلك بل أخذنا نقذفه بالحصى فهرول ورائنا يصرخ متألمًا .

هربنا من وجهه نركض أمامه ونلتفت إليه وحين وقف عودناه ثانية فرماه طفلُ بحجر كبير سُج رأسه فأسال دمه فقعد خائفًا يمسح الجرح بكفه ويتأمل يده الملطخة بالدماء ثم يرفع بصره إلى السماء كففنا عن إزاءه ووقفنا نتأمله صامتين .

جاءت عجوز فقيرة طيبة وخاطبتنا معاتبة لماذا تضربونه يا أبنائي إنه مجنون ولكنه إنسان مثلكم يألم كما تألمون يا أبنائي الشكل القبيح لا يعيب صاحبه وإنما فعله القبيح نكسنا رؤؤسنا خجلًا ولم نهمس بكلمة واحدة وانحنت العجوز على المجنون تمسح له وجهه وجرحه ثم قبلته وسحبته من يده فمشى معها طائعًا مثل حمل وديع تركت رفاقي واجمين وسرت ورائها لأكشف سرها استدارت نحوي فرأيت في عينها الدموع كنت مستغربًا أتبكين على هذا المجنون قالت بحنان بالغ إنه ابني فقلت لا أكاد أصدق لماذا فقلت إنه مجنون قالت العجوز وهل يولد المجنون بلا أم فقلت متعجبًا ولماذا لا تعاقبينا على ما فعلنا .

فقالت ولما العقاب يا بني فمازلتم صغارًا ، فقلت نادمًا حزينًا إنني أعتذر إليكِ فهل تقبلين اعتذاري فمدت العجوز يدها ومسحت رأسي بيدها الحانية وقالت لا تحزن يا صغري إنني أعذرك وأسامحك ومضت الأم تسحب ابنها الحبيب وظللت واقفًا في مكاني وأقول في نفسي ما أكثر الدروس التي نأخذها خارج جدران المدرسة ..