قصة أشرقت شمس المغيب

أشرقت الشمس معلنة عن بدء يوم جديد في حياتي ، فقد بدأ الله في إعطائي مصروفي اليومي من الأربع وعشرين ساعة ، ولكني وجدت نفسي مرهقًا بعض الشيء ، فبقيت بهذا اليوم في المنزل ، ولم أذهب إلى المدرسة .

زيارة الجد والجدة :
ولأني أسكن مع جدي وجدتي ذهبت إليهما ، لكي أطمئن على جدي المريض ، فكان ككل يوم نائم على السرير شارد الذهن ، يردد اسمي متى أصبح ومتى أمسى ، فهو يحبني حبًا شديدًا .

مرض الجد :
ذهب أبي كعادته كل صباح إلى العمل ، وظلت جدتي بجوار جدي حتى تلبي له كل طلباته ، وبينما كنت أوشك على النوم مرة أخرى فوجئت بجدتي تناديني لكي أطمئن عليه ، حيث بدت عليه علامات التعب الشديد ، فقد كان وجهه يميل إلى البياض ، وظهرت بقع شبه حمراء في مناطق شتى من جسمه ، ودخلت الغرفة وخرجت جدتي لا تدري ماذا تفعل ؟

ذكريات مع الجد ونصائحه :
فذهبت لتكلم والدي والدموع تنهمر من عينيها ، وأثناء جلوسي بجواره أحاول أن أكلمه ، لم يرد عليّ ، فدار شريط الذكريات بذهني ، فأنا أراه الآن وهو يقيس طولي ، على حائط بالمنزل ويعلم علامة على الحائط ، ويكتب الطول والتاريخ ، وها هو ينصت إلى ما كتبت من موضوع تعبير ، فيقول لي أن أسلوبي جميل وخيالي خصب ، ومن الممكن أن أكون كاتبًا كبيرًا ، فيطلب مني أن أقرأ بعض الروايات لكبار الكتاب ولكني كنت أرفض ، وعندما كان يراني أضيع وقتي ، يقول لي : لا تضيع الوقت ، انه عمرك ، أنت بذلك تضيع عمرك .. ويقول لي أيضَا : ركز في مذاكرتك ، حتى تصير من أوائل الطلاب على مستوى الجمهورية .

صبر وغروب  :
ولكن أين هو الآن ، ففي هذا الصباح الذي لا أجد له مسمى ، رأيته وهو ينظر لي بعين شبه دامعة ، هذه العين تأبى الدموع ، فقد كانت هذه اللحظة أشبه بل وأشد تأثيرًا من مطرقة تضرب على حديد أحمر ، أي لحظة هذه التي أرى فيها أحب الناس على قلبي يضيع ، ولا أستطيع فعل شيء لمساعدته ، وظللت أحاول أن أصبر نفسي بأنها لن تأت بعد ، فقد كنت أرى بواقي الطعام وهي تخرج من فمه ، فظننت أنه بدأ يفيق ، ولكن لم تلبث فرحتي وزالت ، فقد توقف كل شيء .

إرادة الله :
توقفت الشمس عن ارسال أشعة الأمل في قلبي ، وتوقف الوقت الذي يحوي تلك اللحظة ، وتوقف نهر الدم الذي يجري في عروقي ، وجدت نفسي أقف أمام جدي بجسده فقط ، وأثناء ذلك الوقت كانت جدتي تذهب هنا وهناك ظنًا منها أن جدي مازال متعبًا ، فقلت لها : انتهى يا جدتي ، كل شيء انتهى ، فصرخت ومع هذه الصرخة انفجر نهر الدموع من عيني ، وأنا أحاول أن أتماسك وأهدي من بكاء جدتي وأصبرها بأن الله أراد أن يريحه من هذه الآلام .

النظرة الأخيرة :
وبعد ساعة ، أو بعض ساعات امتلأ المكان بالناس ، وظللت متماسكًا حتى جاء صندوق بلونه البني الداكن ، الذي يشبه جذع الشجرة التي نصبت فأصبحت كالوتد ، المثبت في الأرض ، وذهبت لكي ألقي عليه النظرة الأخيرة ، وظللنا سائرين في الشارع ، أنا وعائلتي كأنني أسير معه للمرة الأخيرة في هذه الشوارع ، حتى ذهبنا لإتمام الصلاة على جثمانه ، وبعد هذا ذهبنا إلى المدافن ، وهناك بدأت أفقد احساسي بمن حولي ، بل وأفقد احساسي بالمكان .

رحيل :
فأنا لم أكن أشعر بأي مشاعر من حزن أو غيره ، وعندما بدءوا في إنزال الصندوق ظللت أنظر إليه ، حتى أغلق الباب على أعز الناس إلى قلبي ، هذا الباب الذي سيغلق على كل منا بعد انقضاء فترة انتظاره في العالم .