قصة النهر الصغير

كان النهر الصغير يجري ضاحكًا مسرورًا يزرع في خطواته الخصب ويحمل في راحتيه العطاء ، يركض بين الأعشاب ويشدو بأغانيه فتتناثر حلوه فرحًا أخضر يسقي الأزهار الذابلة فتضوي ثغورها باسمة ، ويروي الأشجار الظامئة فترقص أغصانها ، ويعانق الأرض الميتة فتعود إليها الحياة ، ويواصل النهر الكريم رحلة الفرح والعطاء لا يمن على أحد ولا ينتظر جزاء ، وكان على جانبه صخرة صغيرة قاسية القلب فاغتاظت من كثرة شغله وخاطبته لماذا تهدر مياهك عبثًا .

فقال النهر أنا لا أهدر مياهي عبثًا بل أبعث الحياة والفرح في الأرض والشجر ، فقالت وماذا تجني من ذلك فقال النهر أجني السعادة الكبيرة عندما أنفع الآخرين ، فقالت الصخرة لا أرى في ذلك أي سعادة ، فقال النهر لو أعطيت مرة لعرفت لذة العطاء ، فقالت الصخرة احتفظ بمياهك فهي قليلة وتنقص باستمرار فقال النهر وما نفع مياهي إذا حبستها على نفسي وحرمت غيري الحياة ، فقالت الصخرة حياتك في مياهك وإذا نفذت تموت .

فرد النهر قائلًا موتي حياة لغيري ، فقالت الصخرة لا أعلم أحدُ يموت ليحى غيره فقال النهر الإنسان يموت شهيدًا ليحى أبناء موطنه ، فردت الصخرة ساخرة سأسميك بعد موتك النهر الشهيد فقال النهر هذا الاسم شرف عظيم ، فلم تجد الصخرة فائدة من الحوار فأمسكت عن الكلام .

اشتدت حرارة الصيف واشتد ظمأ الأرض والشجر وازداد النهر عطاء فأخذت مياه تنقص وتغيض يومًا بعد يوم حتى لم يبقى في قعره سوى قدر يسير لا يقوى على المسير ، صار النهر عاجزًا عن العطاء فأنتابه حزن شديد ويبس على شفتيه الغناء ، وبعد بضعه أيام جف النهر الصغير فنظرت إليه الصخرة وقالت لقد مت أيها النهر ولم تسمع لي نصيحة ، فقال النهر ، النهر لم يمت وقالت الاشجار النهر لم يمت مياهه تجري في عروقي وقالت الورود النهر لم يمت مياهه ممزوجة بعطري ، قالت الصخرة لقد ظل النهر الشهيد حيًا في قلوب اللذين منحهم الحياة وأقبل الشتاء غزير الأمطار فامتلأ النهر الصغير بالمياه وعادت إليه الحياة وعادت رحلة الفرح والعطاء من جديد ..