في جنوب إسبانيا كانت هناك قرية صغيرة ، كان شعبها يحيا في فرح وسعادة ، فالأطفال يلعبون تحت ظلال الأشجار في حدائق منازلهم ، والطيور تشدو على الأغصان فتضفي على الجو روعة لا تضاهى ، وفي تلك القرية السعيدة كان هناك صبي صغير يدعى ناصر يعيش مع والده ووالدته وجدته في بيت صغير .
كان كل صباح يأخذ قطيعه من الماعز ويصعد بهم فوق التلال ؛ ليعثر لهم على مكان مناسب للرعي وبعد الظهر يعود معهم إلى القرية ، وفي الليل كانت جدته تقص عليه القصص والحكايات الشيقة ، عن النجوم والجنيات التي تحقق الأمنيات .
وفي يوم من الأيام خرج ناصر كعادته يرعى القطيع ، وأخذ يلعب بالناي كي يسلي نفسه ريثما تنتهي الماعز من طعامها ، وفي تلك الأثناء شاهد ناصر ضوءًا رائعًا منبعث من الأدغال ، فاقترب منه ليتبين ما هو ؟ فإذا بكرة كريستالية شفافة تتألق بلونها الرائع كقوس قزح .
حينما رآها ناصر انبهر بها وأمسك في يده بعناية شديدة وهو يتفحصها ، ولكن فجأة سمع صوتًا رقيقًا ينبعث منها ، حيث قالت له الكرة البلورية : مرحبًا اطلب ما تريد وسأحققه لك ، فتعجب ناصر مما سمع وارتبك كثيرًا ، ولكن الكرة أعادت عليه ما قالت ثانية .
فتيقن ناصر أن ما سمعه حقيقيٌ ، وأخذ يفكر أي أمنية يتمنى ؟ كان لديه الكثير من الأمنيات لكنه لم يستطيع تحديد رغبة معينة ، فقال لنفسه : سأنتظر للغد حتى أقرر ربما أتذكر أمنيات أخرى لا أذكرها الآن ، وبالفعل عاد ناصر إلى المنزل ولم يخبر أي أحد بأمر تلك الكرة البلورية .
وحينما خرج للرعي في اليوم التالي أخرج الكرة وأخذ ينظر إليها ، فقالت له مثل ما قالت في المرة السابقة : اطلب ما تريد وسأحققه لك ، ظل ناصر على حيرته لا يدري أي شيء يمكن أن يطلبه ، فقد كان لديه كل ما يحتاجه .
أخذت الأيام تمر وناصر ما زال غير قادر على تحديد رغبته ، لكنه كان سعيد جدًا حتى أن الجميع اندهش من التغيير الذي حدث بتصرفاته في الآونة الأخيرة ، وفي يوم من الأيام خرج ناصر كعادته للتل ومعه قطيعه ، فتبعه صبي ليعرف سر التغير الذي حدث به .
ولما جلس ناصر يستريح في ظل شجرة ، وأخرج كرته الكريستالية يتحدث معها كعادته ، شاهده الصبي المتلصص وما هي إلا لحظات غفا فيها ناصر ، فتسلل الولد وأخذ منه الكره الكريستال وهرب ، وعندما وصل الصبي إلى القرية ، دعا جميع الناس لمشاهدة الكرة السحرية الشمس ، فأخذ مواطنون القرية يتناولون الكرة البلورية في أيديهم .
وفجأة سمعوا صوتًا ينبعث من داخلها ، ويقول لهم : تمنوا ما تريدون وأنا سأحقق رغباتكم ، فأمسك شخص منهم الكرة وصرخ بلهفة : “أريد حقيبة واحدة مليئة بالذهب”، واختطفها شخص أخر وقال بصوت عال : “أنا أريد صندوقين كاملين من المجوهرات ” ، وبعضهم تمنى أن يكون لديهم قصر من الذهب الخالص ، بدلا من منازلهم القديمة .
فلبت الكرة جميع رغباتهم ، ولكن رغم ذلك ظل مواطنو القرية غير سعداء ، وأصبحوا يغادرون من بعضهم البعض لأن الشخص الذي كان لديه قصر لم يكن يملك الذهب ، والشخص الذي كان لديه الذهب لم يكن لديه قصر ، لهذا كان كل من في القرية غاضبين من بعضهم البعض ، وتوقفوا عن التحدث مع بعضهم .
وانتشرت القصور الذهبية في كل مكان ، ولم يعد هناك مكان للحدائق التي كان يلعب فيها الأطفال ، الأمر الذي أزعج كل الأطفال وجعلهم غير راضيين عن كل ما يحدث ، فقط ناصر وعائلته هم من كانوا سعداء ومطمئنين وهم يعيشون في بيتهم القديم .
فقرر أطفال القرية في يوم من الأيام أن يعيدوا الكرة البلورية إلى ناصر ، وقالوا له : عندما كان لدينا قرية صغيرة كنا جميعا سعداء ولكن الآن ونحن نمتلك القصور الفاخرة والمجوهرات البراقة نشعر بالغصة والألم ، فلما رأى ناصر الجميع تعساء قال : لقد طلبت مني الكرة أن أتمنى شيئًا ولكن لم أكن أعلم ما هو ؟ ولكني علمت الآن وسأخبرها بأمنيتي .
وهنا أمسك ناصر الكرة وتمنى منها أن يعود كل شيء كما كان ، قبل أن يتمنى الناس ما ليس لديهم ، وبالفعل رجعت القرية كما كانت مليئة بالحدائق الجميلة التي يلعب فيها الأطفال ، والبيوت البسيطة التي كانت تجاور بعضها .
وبدأ الناس مرة أخرى العيش في سعادة حب ، وازدانت القرية بلعب الأطفال تحت ظلال الأشجار ، وواصل ناصر حياته التي كان يعيشها كل يوم ، في الصباح يذهب مع قطيع الماعز ، ووقت غروب الشمس يلعب الناي ويشدو بصوته العذب في أنحاء القرية الخضراء الجميلة .