قصة أم الصبيان والشجاع حسن

التراث القصصي هو ذاكرة الشعوب الحية ، تلك القصص التي حملت ثقافات شعوبها وتناقلتها الأجيال ، لتظل راسخة في الوجدان وبها من العظة والتذكير بل والرعب أحيانًا ، ما يستلذ به المستمع سواء أكان طفلاً أم بالغًا ، ولعل قصة أم الصبيان من أشهر القصص التي رواها ، الأشقاء في الدول العربية لأبنائهم .

أم الصبيان لها العديد من الأسماء في ثقافاتنا ، العربية المتعددة وتشتهر بأسماء مختلفة من بلد لآخر ، وهي كما وصفها القدماء من الأجداد ، إناث من الجان المعمر ، أو العمّار لها عمر طويل للغاية وتتنوع أسماؤهم بين الصفاعة وأم الصروم والخايسة .

ليس فقط اسمها هو الغريب ، وإنما هيئتها أيضًا ، فهي ذات جسد ضخم وثديين طويلان يتدليان في الأرض ، لذلك ترفعهما على ظهرها ، ولها شعر متشعب مثل الأشواك ، وأعينها كبيرة الحجم وحمراء مفزعة ، وأنيابها حادة طويلة ، وتكره الأطفال خاصة أولئك الذين لا يستمعون لنصائح ذويهم ، ويخرجون عقب غروب الشمس غير آبهين بها ، فتصيبهم بالأمراض التي يعانون منها حتى الموت ، كما أنها تتسبب في إسقاط الجنين حتى إن كان مكتمل النمو ، فيولد الطفل ميتًا وعلى جسده علامة كف أزرق ، وهذا دليل على أنها هي من فعلت ذلك .

الشجاع حسن :
حسن شاب يمني شجاع ، يعيش بين أفراد قبيلته التي تتنقل عبر الصحراء ، من آن لأخر بحثًا عن الطعام والماء ورعي الأغنام أيضًا ، وتلك القبيلة البدوية التي ينتمي لها حسن ، كانت قد اضطرت في أحد الأوقات مع اشتداد الحرارة وقحط الصحراء ، أن تنتقل لتستقر بالقرب من أحد الجبال ، وهذا الجبل كان معروفًا بأنه في القدم ، كان مقرًا لأم الصبيان .

وأثناء جلوس شباب القبيلة مع بعضهم بعضًا بالليل ، يتسامرون ويتبادلون أطراف لحديث ، ذكر أحدهم قصة أم الصبيان وأخبرهم بشكلها ، هنا ضحك حسن وقال أن الأمر كله لا يعد كونه خرافات متناقلة ، استنكر الشبان ما قاله صديقهم ، وهنا نهض أحدهم متحديًا لحسن ، وقال له إذا كنت شجاعًا بما يكفي ، قم بحمل شاه وخذها واذبحها عند الجبل ، أو بمعنى أدق خلفه وعد إلينا بكل قطع اللحم منها ، دون أن تفقد قطعة واحدة .

قبل حسن التحدي من باب العناد والفضول ، وقام فحمل الشاه على ظهره ، وانطلق بها إلى خلف الجبل ، وكان حسن يحمل في يديه ثلاثة مشاعل ، قام بغرسها في الرمال عندما وصل إلى وجهته ، وأنزل حسن الشاه عن ظهره ، وبدأ في ذبحها ، ثم قام يقطعها ويسلخها ليضعها في أكياس صغيرة .

وعقب أن انتهى حسن من عمله ، وقبل أن يضع اللحم في الأكياس ، إذا به يلمح عيونًا حمراء كبيرة تحدق به من كل مكان حوله ، هنا أدرك حسن أن القصة التي رواها أصدقاؤه كانت صحيحة ، فرفع المشاعل في تلك الوجوه في محاولة منه لإبعادهن ولكن دون جدوى .

وفجأة قامت أم الصبيان برفع ثديها وأطلقت منه سائلاً ، أصاب حسن في عينيه فشعر بضباب الرؤية وانطلق يعدو مبتعدًا عنهن ، وما أن ابتعد حتى جلس ينظر إليهن وهن يأكلون لحم الشاه ، هنا حدثته أم الصبيان بأن ما أطلق على عينيه هو سمًا ، وسوف يفقد بصره إلى لم يخضع للعلاج فورًا ، وعندما سألها عن العلاج أجابته بأن عينه يجب أن يتم كيها ، ثم يوضع عليها العسل الأبيض باستمرار حتى تشفى تمامًا ، وذلك على مدار ثلاثة أيام ، عاد حسن بالفعل إلى قبيلته وتلقى العلاج حتى شفيت عينيه .