يحكي أن إسكافيًا اسمه عصفور كان يعيش في مدينة بغداد القديمة وكانت له زوجة اسمها جرادة ، كانت تذكره كل يوم بفقره وعجزه عن توفير حياة أكثر راحة لها ، وذات يوم رأت جرادة وهي تتجول في السوق سيدة ترتدي رداء فاخرًا ، وتحلي أصابعها بخواتيم الماس ، وتعلق على صدرها عقود اللؤلؤ ، وتتدلى من أذنيها أقراط الذهب ، وتسير حولها مجموعة من الخادمات الجميلات.
وعندما سألت عن هذه السيدة ، قالوا لها إنها زوجة رئيس المنجمين عند الملك ، سألت وماذا يصنع المنجم ، قالوا لها : يتطلع إلى النجوم في السماء ، ثم يتنبأ بما سيحدث في المستقبل ، ويقرأ أفكار الناس ويعرف أماكن الأشياء المفقودة .
قالت زوجة الإسكافي لنفسها لما لا يصبح زوجي منجمًا حتى أصبح غنية كهذه السيدة ، ثم اندفعت إلى المنزل بأقصى سرعة ، وأخبرت زوجها بغضب أن يترك مهنة الإسكافي الفقير ويصبح منجمًا غنيًا ، فصاح عصفور قائلًا : هل أنت مجنونة يا زوجتي كيف أصبح منجمًا وأنا لا أعرف شيئا عن النجوم.
فأقسمت الزوجة قائلة : إن لم تبدأ عملك كمنجم من الغد سأعود إلى منزل أسرتي ولن أعيش معك بعد اليوم ، حزن الإسكافي لكلام زوجته ، واحتار فيما يفعل ، فهو يحب زوجته ولا يريد أن يفقدها ، ولكن كيف يصبح منجمًا ، وتحت ضغط الزوجة وإلحاحها وافق عصفور ، وخرج في اليوم التالي ليجلس في ساحة السوق بجوار المنجمين ومعه بعض الكراسات .
وتصادف في تلك الأثناء أن زوجة السلطان كانت ذاهبة للسوق لشراء بعض الملابس لطفلها الذي تتوقع مولده خلال أيام ، فلما رأت عصفور استغربت شكله ، وسألت عنه ، فأخبرها الخدم أنه منجم جديد يدعى الشيخ عصفور ، فتقدمت إليه وسألته عن نوع المولود الذي تنتظره؟
هنا فكر عصفور وقال في نفسه إن اسلم الإجابات هي الإجابات التي يخطئ نصفها ولا تخطئ كلها ، إذا قلت إنها ستلد ولد فقد تلد بنت ، وإذا قلت أنها ستلد بنت فقد تلد ولد ، ولكن إن قلت أنها ستلد ولدا وبنتا فإن نصف إجابتي فقط ستكون مخطئة ، وهنا قال الشيخ ولدًا وبنتا يا مولاتي إن شاء الله فأعطته دينارًا ذهبيا وانصرف ، فرح عصفور كثيرًا بالدينار وطار على منزله ليخبر زوجته بما حدث.
وقبل أن يطلع الصباح كانت السلطانة قد ولدت ولدًا وبنتا كما قال عصفور المنجم وامتلأ القصر بصيحات الفرح والابتهاج ، وفي اليوم التالي أعطت السلطانة الخدم ألف دينار وبغلة وملابس فاخرة ، وقالت لهم ابحثوا عن الشيخ عصفور وأعطوه هذه الأشياء ثم ائتوني به.
وفي تلك الأثناء كان عصفور مرعوبًا في بيته يخشى أن تنتقم منه السلطانة لكذبه ، وقال لزوجته إن سأل عني أحد قولي أنني لست هنا ، فلما جاء الخدم يطرقون بابه ، أخذت زوجته تتظاهر بالضعف والمسكنة وقالت أنه رجل مسكين لا يدرى ما يقول خذوا الدينار واتركوه ، فقال لها الخدم أي دينار؟ لقد ولدت السلطانة ولدًا وبنتًا كما قال ، وأرسلت معنا للشيخ ألف دينار.
فتهلل وجه جرادة وانطلقت إلى حيث يختبئ عصفور وبشرته بالخبر ، وأخذت تجره جرًا للخدم وتقول لهم هذا هو الشيخ عصفور خذوه معكم ، وهكذا بين يوم وليلة صار الشيخ عصفور أشهر منجم في المدينة ، وحدث في اليوم التالي أن السلطان كان يتناول الطعام في حديقة قصره عندما قام ليغسل يديه فوق البركة ، كان في إصبعه خاتم السلطنة ، وبه ماسة قيمتها ألف دينار ، فنسى الخاتم على حافة البركة فجاءت بطة عرجاء وبلعت الخاتم.
فجاء السلطان بالمنجمون ليبلغوه بمكان الخاتم ، ولكن لم يستطع أحدًا منهم أن يعرف مكانه ، فطلب من الخدم أن يحضروا له الشيخ عصفور ، فلما علم عصفور بطلب الملك له جف ريقه وإصفر وجهه وقال لزوجته أنت السبب سيكشف السلطان كذبي ويعاقبني أشد العقاب ، فقالت له زوجته استخدم الحيلة يا رجل ، ولن يكشفك أحد.
فلما وصل إلى القصر كان على باب القاعة ستائر منقوش عليها رسوم لبعض الطيور فأخذ عصفور ينظر إليها وهو شارد الفكر فيما يمكن أن يحدث له مع الملك ، وفي تلك الأثناء كان يقف الخادم الذي رأي البطة وهي تلتقط خاتم الملك ، وكان قد سمع عن قصة السلطانة مع الشيخ عصفور ، وأنه منجم يعرف كل الأسرار ، فخاف أن يخبر الملك عنه أنه رأى البطة وكتم الأمر طمعًا في سرقة الخاتم ، فاقترب منه وحكى له ما حدث ، فقال الشيخ عصفور : أنا كنت أعلم ولكن اكتم الأمر وحذار أن تخبر أحد.
ولما سأل الملك الشيخ عصفور عن مكان الخاتم ، قال له : ائتني بالبطة العرجاء ، ولما أتوه بها ذبحها فإذا بالخاتم يرقد في حويصلتها ، فهلل الجميع لبراعة الشيخ عصفور وعينه السلطان كبير المنجمين .
عاش عصفور وزوجته ينفقان بسخاء من الثروة التي هبطت عليهما والمنجمون يحسدونه ولا يجرءون على إيذائه لمكانته الكبيرة عند السلطان ، فذهبوا للسلطان وشككوه في قدرة عصفور فقال لهم إذن سأجرى لكم جميعا اختبار والفائز فيه سيكون هو الصادق ، وسأعرف على عصفور منجم حق أم أنه نصاب كذاب.
وخرج الملك إلى الحديقة ومع المنجمون وأرسل في طلب عصفور ، ولما علم عصفور بالشكوك التي وصلت للملك ، قال لزوجته ليس للكذب رجلين ، سأخبر الملك وليكن ما يكون، وسأعلمه أن طمعك يا جرادة هو السبب ، وفي تلك الأثناء كان الملك في الحديقة وقال للمنجمون سأمسك بيدي شيئًا إن عرفتموه صدقتكم وان عرفه عصفور صدقته وكدبتكم.
وبينما كان السلطان سائر وجد عصفور صغير يطارد جرادة خضراء فأمسك بهما وسأل المنجمون أن يتكلموا ويخبروه عن الشيء الذي بيده فلم يعرفوا ، فلما وصل عصفور وجده السلطان حزينا فقال له ، لم لا تتكلم يا عصفور ؟ فقال عصفور : ماذا أقول يا مولاي لولا جرادة ما وقع عصفور في يد السلطان .
وهنا تهللت أسارير السلطان وكشف عن العصفور والجرادة ، وأمر بمبلغ 3 ألاف دينار ، فعاد عصور إلى منزله يحمد الله وقال : ليست كل مرة تسلم الجرة ، وطلب من زوجته أن تستعد ليرحلوا من البلدة ، وأمرها أن تخبر كل من بالمملكة أن الشيخ عصفور مات.
وفي ليلة تسلل الشيخ عصفور وزوجته للهرب من البلدة ، وصادف وقت هروبهما نزول السلطان متنكر ليعرف أحوال بلدته وبينما هو على الشاطئ سمع رجل وزوجته يتحدثان عرف من كلامهما أنه الشيخ عصفور وزوجته جرادة .
فاندهش السلطان وأمر الحرس بمراقبتهما ومعرفة أين سينزلان ، ولما استقر الحال بالشيخ عصفور وزوجته زارهما السلطان وهو متنكر ، على أنه أحد الحراس وقال أنه قدم بأمر من السلطان ليؤدي واجب العزاء ، وكان الشيخ عصفور نفسه هو من فتح الباب ، فلما عزى السلطان زوجته سألها إن كان عصفور قد مات ، فمن فتح الباب لنا؟
هنا صمتت المرأة ولم تدري ماذا تقول ، وعزمت على الهرب من الباب الخلفي مع زوجها ولكن فجأة ضحك الرجل وقال يا شيخ عصفور أن السلطان أعطيك الأمان فخرج عصفور من مخبأه وحكى للسلطان كل ما حدث ، فشكره السلطان على صراحته وسامحه وعينه نديمًا له يحكي أطرف القصص وأعجب النوادر.