قصة أين ذهبت ألوان البحر

البحر الأحمر بحر ملون ، بل ساحر الألوان ، ليس فقط على مستوى السطح الذي تتألق فيه المياه ، بصفاء فيروزي عجيب ، بل أيضاً وخاصةً تحت سطح مياهه ، عند الشعاب المرجانية التي تبدو لعين الغواص ، من وراء زجاج نظارات البحر وكأنها حدائق ملونة ، يرتادها جمهور مزركش من الكائنات البحرية بمئات الأشكال ، وبكل ألوان قوس القزح .

الرحلة :
لقد وعدت أولادي وهم صغار ، بمفاجأة لن ينسوها طوال حياتهم ، ولم أكشف لهم عن المفاجأة ، حتى بعد أن ركبنا عبارة جميلة ، أخذت توغل بنا في مياه البحر الأحمر ، وبعد 20 دقيقة توقفت العبارة ، عند مرسى عائم انتقلنا إليه.

المرسى :
كان المرسى بهواً متسعاً مفتوحاً حول البحر ، الذي يظهر بديعاً من كل الجهات ، وفي كل أركان البهو تعرض نماذج محنطة من أسماك البحر الأحمر ، قرش أبيض مفترس وثعبان بحر عملاق ، وسمكة صندوق ذات هيكل عظمي ، وسمكة بالون ذات أشواك طويلة حادة ، تبرز في كل مكان في جلدها ، انتهى الأولاد على الفرجة في معرض أسماك البهو ، وبدؤوا يلحون حتى اكشف لهم عن المفاجأة ، لكن المفاجأة كشفت لهم عن نفسها .

الغواصة :
غواصة صفراء ، بلون زهور عباد الشمس ، أخذت تشق سطح الماء ، حتى استقرت طافية لصق المرسى الذي نطل من شرفاته ، شهق الأولاد بدهشة ، ثم أخذوا يتبادلون نظرات الفرح غير مصدقين ، عندما بدأت الغواصة تخرج من كانوا في قلبها ، فانتقلوا نحوها مع مجموعة جديدة ، لنهبط إليها ، طرنا في قلب الغواصة الأنيقة ، واتخذنا مقاعدنا بترتيب دقيق في مواجهة النوافذ المستديرة الواسعة و الشفافة.

حدائق البحر :
وراحت الغواصة تتحرك وتهبط إلى الأعماق ببطء ، عندئذ قلت للأولاد بثقة : ستشاهدون بعد قليل حدائق البحر الملونة العجيبة ، والأسماك التي ستذهلكم بألوانها الصارخة ، لم يكن عندي شك في ذلك ، فقد غصت من قبل تحت مياه البحر الأحمر عند العشب المرجانية .

ورأيت حدائق الأعماق الملونة ثانية ، لكن المناظر التي بدأت تظهر من نوافذ الغواصة ، جعلتني أسكت مستغرباً ، أسال نفسي في خجل ، أين ذهبت الألوان التي رأيتها من قبل ؟؟

الماضي غير البعيد :
منذ سنوات قليلة ، كانت الغواصة تطوف وسط شعاب مرجانية ، قريبة جداً من زجاج النوافذ ، وكانت الأسماك تظهر واضحة وكأنها يمكن لمسها ، كان هناك شعاب متعددة الأشكال ، وأسماك كثيرة من نوع البغبغاء ذا الفم الذي يشبه المنقار ، وأخرى مخططة ، يلقون عليها اسم أسماك الشرطي ، وقليل من سمك نابليون الكبيرة ، وكلها يغلب عليها لون رمادي مزرق ، وكأنها مصبوغة بلون رمال باهتة