قصة موت كاتب

من روائع الأدب الروسي قام بكتبتها الكاتب الروسي الكبير ، أنطون بافلوفيتش تشيخوف ، عمل تشيخوف ككاتب مسرحي ، ومؤلف قصصي ، ويعد من أعظم كتاب القصص القصيرة على مدار التاريخ ، بدأ مجال الكتابه أثناء دراسته بكلية الطب جامعة موسكو .

بداية القصة :
لقد كانت ليلة رائعة عندما جلس الكاتب ديمنريش شيرفياكوف في الصف الثاني ، في الصالة ، يستمتع بأجراس كورنفيل ، بمساعدة منظار الأوبرا ، وأخذ يراقب المسرح ، وهو يظن نفسه أسعد المخلوقات ، وفجأة ، وموجهه ودارت عيناه نحو السماء وتوقف تنفسه ، وأدرا وجهه بعيداً عن منظار الأوبرا ، وتكور في مقعده ، و…. عطس .

المفاجأة والإحراج:
ولكل فرد الحق في أن يعطس حيثما شاء ، إذ يعطس الفلاحون وضباط البوليس ، وحتى أعضاء مجلس الوزراء أنفسهم يعطسون ، لم يشعر شيرفياكوف بأي حرج ، ومسح أنفه بمنديله  التفت حوله ، كأي شخص مهذب ليرى إن كانت عطسته قد سببت أي متاعب لغيره من الناس ، وفي هذه اللحظة شعر بالارتباك ، إذ رأى رجلاً عجوزاً ضئيل الجسم يجلس أمامه تماماً ، يمسح رأسه الأصلع وعنقه بعكازه بعناية ، ويتمتم في أثناء ذلك ، وأدرك شيرفياكوف أن هذا الشيخ ما هو إلا بريزهالوف المدير العام بوزارة المواصلات ..

اعتذار:
وفكر شيرفياكوف ، لقد عطست عليه ..حقيقة أنه ليس رئيسي بيد أن الأمر ، يدعو إلى الاحراج ، ولابد من الاعتذار ، فمال شرفياكوف إلى الأمام وتنحنح وهمس في أذن المدير العام قائلًا : إني أعتذر إليك يا صاحب السعادة ، لقد عطست ولم أقصد أن ، أجابه المدير : لا شيء ، فأردف شرفياكوف قائلًا :  أرجوك أن تغفر لي .. أنا .. انها غير مقصودة ، أجابه : أليس في وسعك أن تسكت ، بحق السماء دعنا نستمع ..

ضيق:
ابتسم شيرفياكوف في جبن وقد انتابه بعض من القلق ، و حاول أن يوجه انتباهه إلى المسرح و يراقب الممثلين ، ولكنه لم يعد يشعر أنه أسعد المخلوقات ،لقد التهمه الندم ، وخطا نحو بريزهالوف في الاستراحة وتمهل بعض الوقت ، ثم تغلب على حرجه وتمتم أخيراً : لقد عطست عليك يا صاحب السعادة .. اغفر لي .. فأنت تعرف ..إني لم أقصد ، وكان رد المدير العام عليه ، وقد أخذت شفته السفلى تتحرك في ضيق : آه ..لقد نسيتها ، أتقصد أن تستمر في ذلك !!

قلق وحيرة  :
إلا أن شيرفياكوف أخذ يتأمل وهو ينظر في اتجاه المدير حائراً شاكاً ، وهو يقول أنه نسي ولكني لا أحب النظر في عينيه ، إنه لم يرد أن يتكلم معي ، يجب أن أوضح له أنني لم أقصد ، إن هذا هو أحد القوانين الطبيعية ، وإلا فسوف يعتقد أنني كنت أقصد البصق عليه ، حتى وان لم يعتقد هذا الآن ، فقد يعتقد فيما بعد ..!!

العودة للمنزل:
وحينما عاد شيرفياكوف إلى منزله ، وقص على زوجته سلوكه غير الحميد ،بدا له أن زوجته تلقت قصته في استخفاف غير ملائم ، حقيقة أنها هلعت للحظة من الزمن ، ولكنها حينما عرفت أنه بريزهالوف ليس رئيساً ، اطمأنت ثم قالت له : أعتقد أنه ينبغي عليك أن تذهب وتعتذر بالرغم من هذا كله ، وإلا فسيعتقد أنك لا تعرف كيف تسلك في حضرته ، فرد عليها : فعلًا ، لقد حاولت أن أعتذر ، ولكنه غريب ، ولم يقل كلمة تدل على الحكمة ، أضفي إلى ذلك أنه لم يكن هناك وقت للكلام .

مكتب المدير العام:
وفي اليوم التالي ارتدى شيرفياكوف حلته الرسمية الجديدة ، وقص شعره وذهب ليوضح سلوكه لبريزهالوف ، لقد كانت حجرة استقبال المدير مليئة بأصحاب الحاجات ، وكان المدير نفسه هناك يتلقي الالتماسات ، وبعد أن خاطب المدير بعض أصحاب الالتماسات .

ملل:
رفع عينيه إلى وجه شيرفياكوف فبدأ الكاتب يقول : ليلة أمس في الأركاديا ، إذا كنت تذكر يا صاحب السعادة ..عطست .. وحدث أن .. اني أطلب ، فيرد المدير : يا للسخف.. ماذا الذي يمكنني أن أفعله لك ؟ ، شحب وجه شيرفياكوف وهو يقول في نفسه : هو لا يريد أن ينصت إليّ ..و هذا يعني أنه غاضب..أنا لا يمكن أن أترك الموضوع هكذا .. يجب أن أوضح الأمر ..

وحينما فرغ المدير من تلقي الالتماس الأخير ، استدار ليذهب إلى مكتبه الخاص ، فتبعه شيرفياكوف وهو يتمتم : أتسمح لي يا صاحب السعادة ، إن ما يدفعني إلى إقلاق صاحب السعادة ، هو ندمي النابع من قلبي ..ونظر المدير كأنه على وشك أن يصيح به ، وحرك يده كي يغرب عنه ، وأغلق الباب في وجهه وهو يقول : أتريد أن تسخر مني يا سيد ؟!

تفكير وقرار:
ففكر شيرفياكوف : أسخر منك ! اني لا أرى ما يشير إلى السخرية ، إنه لا يفهمني وهو المدير ، حسناً لن أقلق السيد المهذب باعتذاراتي ، فليأخذه الشيطان ، سأكتب خطاباً إليه ، لن أذهب اليه مرة ثانية ، لن أذهب وهذا نهاية الأمر.

هكذا كانت أفكار شرفياكوف وهو عائد إلى منزله ، ولكنه لم يكتب الخطاب وظل يفكر ويفكر ولكنه لم يعرف كيف بصيغه ، ومن ثم كان عليه أن يذهب إلى المدير العام في اليوم التالي حتى يصحح الأوضاع.

وقال حينما أدار المدير نحوه عينا فاحصه : لقد تجرأت و أقلقتك بالأمس يا صاحب السعادة ، أنا لم أضحك عليك كما اعتقدت ، يا صاحب السعادة ، لقد جئت أقدم اعتذاراتي ، لمضايقتك بعطسي ، أما عن الضحك فلا يمكن أن أفكر في مثل هذا الشيء ، كيف أجرؤ على التفكير ، لأننا اذا وضعنا في رؤوسنا أن نضحك على الناس ، فلن يبقى أي احترام .. أى احترام للرؤساء ..

الموت :
فعوى المدير ، وقد امتقع وجهه وأخذ يرتجف غضباً : اخرج من هنا … اخرج من هنا….اخرج..
كررها المدير وهو يضرب الأرض بقدميه ، وشعر شيرفياكوف كأن شيئاً ما قد قطع بداخله ، فلم يسمع ولم ير شيئاً ، وهو يتراجع نحو الباب ، وخرج إلى الشارع وظل يجول متعثراً ، ووصل إلى منزله دون أن يدري ، وارتمى على الأريكة كما هو بحلته الرسمية ومات ..