قصة اللوحة والفنان

لا أستطيع أن أحدثكم عن  موته ، فذلك شيء خاص به ، ولكن الذي أود إيصاله اليكم هو أنني أعرف سرًا لا يعرفه أحد منكم !

السر هو اللوحة :
أنتم أصدقاؤه كما أنا صديقكم ، ينتابكم الصمت لموته ، فقد كان طيبا كريما معكم كما كان معي ، ولكن صدقوني : إنه لم يخبرني به ، أنا الذي اكتشفته كما اكتشف كولومبس أميركا الظالمة ، لا تتعجبوا ، فالسر هو هذه اللوحة المعلقه في جدار غرفته .

شمعة خافتة تضيء ظلمة الذاكرة :
كان يقفز من فراشه مذعورًا ليقف أمامها يتأمل ، كل انحناءات الألوان المتكسرة ، بحده في اتجاهات طالما تمتد أنامله إليها ، ثم يمسح إطارها بأمان ويتجه بعدها إلى المغسلة ، مرة سمعته يقول : أمي تحب النور حتى الموت ، وأمل هي الأخرى تحب النور وأنا .. أما أمه فكلنا يعرف أن الموت قد خطفها منذ الطفولة ، ولم تترك له سوى شمعة خافتة تضيء ظلمة الذاكرة .

أمل ودوامة العمل :
أما أمل ، فكل الذي يعرفونه ويعرفونها ، أنا وأنتم الآخرون حينما غادرت ودعها الجميع ، كما تعلم وكان هو بين المودعين ، صامتا ، متأسيًا ، وعاد الجميع الى دوامة العمل في الدائرة وقاد عاد معنا ، وكثيرًا حاولتم أن تستفزوه بوداعها أنتم الصامتون اليوم .

دموع تجري في صمت :
ولكنه كان أبدًا في القلب ، حينما نتحدث عن أمل يشاركنا الحديث بعطف وأدب ، تشوبه نبرات عاطفة صادقة ، بالأمس فقط رأيته ساهما في اللوحة ، فيما بدا شرخ طويل يقصم ظهرها ، وألوانها بدت فاقعة صفراء مغبرة ، وأحسست أن دموعه تجري بصمت وتنساب ، بهدوء بين الأخاديد المغروزة في عنقه .

دعوة خاصة جدًا :
مزقها فجأة وبسرعة حتى تحطمت ، ثم قذفها إلى زاوية غرفته المبعثرة ، وانكفأ على وجهه وفي يده ورقة ، مكتوب عليها : لقد انتهى زمن اللوحات .. التوقيع : أمل! أما ما خطه لكم في لوحته الجديدة ، فأرجو أن تتمعنوا فيه ، إنه ليس بخطه ، إنها دعوة خاصة جدًا ، دعوة من أمه .