قصة ماريا

قد يقودنا القدر ويسوقنا إلى حقائق  ، وتجارب جديدة وغريبة لم نمر بها من قبل ، مثل ملاقاة شخص متوفى ، والحديث معه وكأنه على قيد الحياة ، أو معرفة سر وقوع إحدى جرائم القتل ، أو حتى التعامل مع بعض الخوارق ، مثل الحيوانات التي تتصرف وكأنها تدرك الأمور ، كقصة القط أوسكار الذي شعر باقتراب أجل بعض المرضى ، وظل جوارهم حتى فارقوا الحياة ، ولعل قصة ماريا تجسد إحدى تلك العجائب والتجارب المميزة .

كريستين ممرضة بريطانية الأصل ، كانت تعمل بإحدى المستشفيات في بريطانيا ، ولكن لظروف خاصة بعائلتها المكونة منها وزوجها وطفلها آدم ، اضطرت للانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، والعمل بها في مشفى بإحدى المقاطعات القريبة ، من مسكنها الجديد .

كانت المقاطعة التي تعيش بها كريستين ، لا تقل أعمار سكانها عن الستين عامًا ، فكلهم مسنون ولكنهم أسر كاملة ، ويأتيهم الأبناء والحفدة في زيارات دورية ، تجسد الارتباط الحقيقي بينهم ، عدا منزل واحد لم تكن تأتيه تلك الزيارات أو يعرفها ، وهو منزل السيد ويليامز أو كما تطلق عليه كريستين (البروفيسور) ، فهو رجل عجوز كان ضابطًا وتقاعد عن العمل ، وكانت لديه زوجة تدعى إيلينا ، كانت هي مأمنه وأمانه في هذا العالم الموحش ، ولكنها غادرت الحياة منذ أعوام بسيطة .

كانت كريستين بحكم عملها كممرضة ، قد طلب منها البروفيسور أن تأتيه للاطمئنان عليه ، حيث كان يعاني من مرض سرطان العظام عقب وفاة زوجته ، بأعوام بسيطة وهذا ما دفع كريستين للترحاب بالأمر .

مرت أيام كثر كانت تذهب فيها كريستين عقب انتهاء عملها ، أو قبل الذهاب إليه للاطمئنان على البروفيسور ، وأحيانًا كانت تتناول برفقته الفطور أو الغداء ، فالرجل مسن وبحاجة إلى رعاية وليس لديه أحد بهذا العالم ، ولا يقدر على مصروفات ممرضة مقيمة طوال الوقت .

كان البروفيسور يروي لكريستين ، قصصًا عن حياته العسكرية ، والأسفار التي انطلق بها برفقة زملائه الضباط ، وزوجته إيلينا التي كان عشقها يفوق أي شيء آخر ، فقد كانت ملاذه الدائم حتى توفت ولم يعد للحياة مذاق قط .

كان البروفيسور أحيانًا ما يوقظ كريستين في أوقات غريبة ، وتكاد تكون غير لائقة أيضًا ، ولكنها كانت تستجيب له في كل مرة وتذهب للاطمئنان عليه ، وفي إحدى الليالي وتحديدًا في منتصف الليل ، استيقظت كريستين على دقات هاتفها ، فنظرت لتجده البروفيسور يتصل بها ، فتحت عينيها قليلاً لتجيب ، ولكنها سمعت صوت امرأة ينطق باسمها ، فانتبهت كريستين وسألت أين البروفيسور ، فأجابتها  البروفيسور سوف يأتي معي الليلة ، وأطلقت ضحكة غريبة وأغلقت الهاتف.

استيقظت كريستين لتجد زوجها وابنها الصغير ، يغطان في نوم عميق ، والساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل ، كانت تحلم إذًا ! نهضت وألقت نظرة على الهاتف فلم تجد أي اتصال وارد ، فما كان هذا ؟

نهضت كريستين وارتدت ثيابًا خفيفة ، وخرجت لتلق نظرة على منزل البروفيسور ، ولكن الأمر هاديء أكثر مما يجب ، أيقظت زوجها وانطلقت برفقته ليطمئنا على الرجل ، ولكن عقب الكثير من طرقاتهما على باب المنزل ، لم يجدا استجابة فأبلغا رجال الشرطة ، ليتم اقتحام المنزل ويجدوا البروفيسور ويليامز قد فارق الحياة .

قام الجيران بالمساعدة في إتمام إجراءات الدفن ، وأخذت كريستين تبحث في أغراض الرجل ، علّها تجد شيئًا كرقم هاتف أو عنوانًا لأحد أقاربه ، الذي طالما روى لها بشأنهم ، ولكنها لم تجد شيئًا مميزًا ، وبين أكوام الصور المكدسة وجدت كريستين صورة لفتاة شابة ، وفي الخلف كتب أنها ماريا ويليامز ! صعقت كريستين فالرجل لم يذكر قط أن لديه ابنة .

بالمزيد من البحث علمت كريستين أن ماريا قد توفت ، قبل بضعة أعوام من وفاة والدتها ، في حادث سير بالسيارة أثناء ذهابها إلى حفل التخرج ، ولقيت حتفها على الفور ولم يكن للزوجين أبناء غيرها ، فكرت كريستين هي ماريا حقًا التي أتت ، واستقبلت والدها في رحلته للعالم الآخر ، وهو لم يجرؤ قط على ذكرها من قبل ، علّها كانت قد تركت له بفراقها هذا ، جرحًا عميقًا لم يستطيع معه أن يذكرها ثانية .