عالم ومهنة الطب ، من المفترض أن تكون مهنة سامية لها قواعد وأخلاقيات تحكمها ، ولكن البعض يحولها من مهنة سامية ، إلى طريق مليء بالثغرات والدماء وإزهاق الأرواح ، إما بسبب واضح أو دون سبب من الأساس ، وقد يعود الأمر لبعض الاضطرابات النفسية ، لدى الشخص الذي تسبب في الجريمة .
الممرضتان يونورا بيريز وفلبيني نارسيسو :
في عام 1975م شهد مشفى آن آربور أكثر من سبعة وعشرين ، حالة من حالات التسمم وهو مشفى لعلاج المحاربين القدامى بولاية ميتشجان ، وفي غضون عدة أشهر ارتفع هذا العدد إلى خمسة وثلاثين حالة ، ثم تحولت الحالات إلى معاناة وفشل بالجهاز التنفسي ، مع حالات وفيات تخطت العشرة حالات .
على خلفية تلك الحالات المتكررة ، والتي أساءت إلى المشفى قام مدير المشفى ، بفتح تحقيق عاجل حول الأمر الذي تفشى بين المرضى ، في غضون ثمانية أسابيع فقط ! وبالتحقيق تبين أن هؤلاء المرضى ، تم حقنهم بمخدر البافلون الذي انتقل إليهم ، عن طريق الأوردة بجرعات مكثفة من خلال أنابيب التغذية ، هذا العقار الذي يعمل كمخدر ومرخي للعضلات .
تولت المباحث الفيدرالية التحقيقات ، وتم التحقيق مع أكثر من سبعمائة وخمسين موظفًا وممرضًا يعملون بالمشفى ، ثم انحصر الاتهام وتام توجيهه إلى ممرضتان تعملان بالمشفى ، هما يونورا بيريز وفلبيني نارسيسو ، وهما ممرضتان فلبينيتان هاجرتا من الفلبين إلى أمريكا ، وفي البداية تم توجيه الاتهام للممرضة يونورا بيريز ، حيث أقر أحد الأشخاص ويدعى ريتشارد ، وكان مرا فقًا لوالده بالمشفى أثناء تواجدها ، بأنه قد شاهد والده يطلب المساعدة إثر نوبة ، من ضيق التنفس قد أصابته وحينها شاهد الممرضة ، تهرب بعيدًا عندما استمعت إلى استغاثة والده .
تم استجواب المريض عقب أن تم إسعافه ، والتحقيق في الواقعة وبسؤاله أقر أنه قد شاهد الممرضة ، تحقنه بشيء ما في أنبوب التغذية ، قبل أن تتدهور حالته الصحية بدقائق قليلة ، ومن بين ثمانية عشر امرأة ترتدين زي التمريض ، استطاع الرجل وابنه ريتشارد التعرف على يونورا بيريز ، بأنها هي من حقنت المريض بشيء أدى لتدهور حالته .
اتخذت القضية منحى جديدًا ، وأثارت الرأى العام نظرًا لاتهام الممرضتان ، بأنهما قد أتيا إلى أمريكا في محاولة منهما للتآمر ضد البلاد ، والشروع في قتل الكثير من المحاربين القدامى ، وهو ما نفته الممرضتان تمامًا مدعيتان أن ما حدث ما هو إلا جرعات خاطئة ، والأمر ليس موجهًا أو مقصودًا ، ولكن المحاكمة استمرت حوالي أربعة أشهر ، ارتفعت خلالها حالة الاضطهاد العنصري ضد الآسيويين ، الذين كانت أعدادهم قد ارتفعت في تلك الفترة ، بأمريكا وعلى الرغم من عدم كفاية الأدلة ، إلا أن المحكمة أصرت على موقفها من أجل تهدئة الرأي العام ، وحوكمت الممرضتان بتهمة الشروع في قتل ، ثلاثة من المحاربين القدامى بالتسميم .
إعادة المحاكمة :
على إثر تلك المحاكمات قام رئيس الرابطة الطبية الفلبينية ، وأيضًا شقيق الرئيس الفلبيني ويدعى باسيفيكو ماركوس ، بأن الحكم على الممرضتان ما هو إلا إجهاض للعدالة وأخذ على عاتقه الدفاع عن الممرضتان .
بالبحث مرة أخرى في سجلات المتوفين من المرضى ، تبين أن بعض الحالات قد توفت في أيام السبت ، وهي ليست الأيام التي كانت تتناوب فيها الممرضتان الإشراف على المرضى بالمشفى ، وعلى خلفية بعض الأدلة الجديدة .
وبناء على طلب هيئة الدفاع تمت إعادة محاكمة الممرضتان مرة أخرى ، ثم أسقطت القضايا عنهما في عام 1978م ، حيث قرر النائب العام الجديد بألا تتم محاكمة الممرضتان مرة أخرى ، وتم إطلاق سراحيهما دون شروط .
استأنفت الممرضتان حياتيهما مرة أخرى ، ومارستا عملهما في مشفى آخر دون الحديث عن قضيتهما ، وتم إصدار فيلمًا وثائقيًا يحمل عنوان ، الولايات المتحدة مقابل نارسيسو وبيريز والصحافة .