قصة نجاح مارتن كوبر مخترع الهاتف المحمول

يعتقد كثير من الناس أن فيلم ستار تريك هو مصدر الإلهام لاختراع الهاتف المحمول، لكن في الواقع عند ظهور فيلم ستار تريك عام 1966م، كان مارتن كوبر وفريق عمله في شركة موتورولا قد قطعوا شوطًا كبيرًا في عملهم الذي بدأ في خمسينيات القرن العشرين وقد أجرى كوبر أول مكالمة هاتفية خلوية بنفسه في 17 أكتوبر 1973م.

وكما ذكر كوبر نفسه أن ستار تريك لم يكن هو مصدر إلهامه بل كتاب هزلي أخر كان يباع في الثلاثينيات وكان البطل فيه يرتدي ساعة يد لاسلكية.

ولد كوبر في شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية بينما كان والديه يهوديان من أصل أوكراني، ودرس كوبر بمعهد إلينوي للتكنولوجيا، وتخرج منه عام 1950م، وفي عام 1957 حصل كوبر على درجة الماجستير.

وبعد تخرجه مباشرة عمل بشركة تليتيب الأمريكية لفترة قصيرة قبل أن ينتقل للعمل بشركة موتورولا وهي شركة متخصصة في مجالا الاتصالات.

خلال عمله بالشركة شارك كوبر في العديد من المشاريع الهامة مثل مشروع تطوير أول إشارة مرور يتم التحكم فيها بواسطة الراديو، وسجل براءة هذا الاختراع باسمه في عام 1960م.

وقد عمل كوبر مع فريقه في مجال الراديو ثنائي الاتجاه لأنه كان يريد أن يسمح للأشخاص بإدارة أعمالهم بمن فيهم رجال الشرطة ورجل الإطفاء، ويذكر كوبر أنه عندما كان يتحدث عن فكرة توفير جهاز اتصال محمول يمكن استخدامه في أي مكان وأي وقت أمام أي شخص كان يخبره أن ذلك مستحيل، لكن حتى كوبر نفسه لم يكن يدرك أنه حين يحصل الناس على تلك الأجهزة فإنهم لن يستطيعوا إنجاز أعمالهم بدونها مرة أخرى.

وفي الواقع فإن الهاتف الذي أنجزه كوبر لم يكن هو أول هاتف خلوي تم تطويره في العالم، فقد قامت شركة الهاتف والتلغراف الأمريكية  في أربعينيات القرن العشرين بتطوير جهاز اتصال محمول، لكنه كان متاح في منطقة معينة فقط.

وكان كل المتوفر منه هو 12 قناة فقط، وكان الجهاز يحتاج إلى بطارية بحجم بطارية سيارة حتى يعمل وهذا جعل من الصعب استخدامه كهاتف محمول، لكنه كان يصلح كهاتف سيارة فقط.

وفي عام 1968 طلبت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية من  شركة التلغراف الأمريكية توظيف جزء من التردد الفائق التلفزيوني لتوسيع نطاق عامل هواتف السيارة.

وكانت شركة موتورلا قد خشيت أن تسبقها شركة الهاتف والتلغراف مما يؤدي في النهاية لإنهاء تميزها في مجال الاتصالات، ولذلك تم تكليف كوبر بشكل عاجل بتطوير هاتف محمول، وقد كان كل تركيز كوبر هو تطوير هاتف لا يرتبط بالسيارة بل يكون محمول حقًا.

وكان كوبر قد أشاد ببيئة العمل في شركة موتورولا وأنه لولا عمله بالشركة فربما لم يكن قد حقق أي إنجاز، فشركة موتورولا خلال فترة الخمسينيات كانت لا تخشى المجازفة في تجريب أفكار جديدة، ولذلك فإنها كانت تسبق شركات التكنولوجيا الأخرى، وقد سمح له ذلك بالعمل بحرية وساعده على الإبداع.

وكانت نتيجة النهائية هي هاتف DynaTAC والذي بلغ وزنه 1.1 كيلوجرام وطوله 23 سم، وكان يسمح لمستخدمه بالتحدث لمدة 35 دقيقة قبل أن تنفذ البطارية.

وبعد تطويره قدم كوبر هاتفه الرائد للرأي العام لأول مرة في مؤتمر صحفي أقيم بنيويورك يوم 3 أبريل 1973م، وخلال المؤتمر الصحفي قام كوبر بعرض نموذجين من هاتفه الأول كان بحوزته والآخر وكان بحوزة رئيس منتجات الاتصالات المحمولة في شركة موتورولا جون فرانسيس ميتشل، بينما قامت الشركة بتثبيت محطة أساسية لنقل الاتصال فوق مبنى بيرلينجتون بنيويورك، وربطت تلك المحطة بنظام الهواتف الأرضية التابع لشركة الهاتف والتلغراف الأرضي.

وحتى يثبت للصحفيين أن هاتفه يعمل بشكل جيد في المؤتمر الصحفي قام بإجراء مكالمة هاتفية للمهندس جويل إنجل وهو رئيس المشروع المنافس الذي تتبناه شركة الهاتف والتلغراف الأمريكية وأخبره أنه يتحدث إليه من هاتف خلوي محمول بالفعل، أجرى بعد ذلك عدة مكالمات أخرى، وقام بعبور الشارع أثناء حديثه في الهاتف ليثبت أنه محمول بالفعل.

واستمر عمل كوبر في موتورولا بهدف تحسين وتطوير هاتفه بحيث يكون صالح للاستهلاك التجاري، وبعد مرور عشرة سنوات في عام 1983م قدمت الشركة أول هاتف محمول للمستهلكين، وقد بلغ سعر الهاتف الأول 3995 دولار، وهي تكلفة مرتفعة إلا  أن هذا الهاتف قد حقق نجاحًا.

وبعد أن عمل كوبر لمدة ثلاثة عقود كاملة في شركة موتورولا شارك خلالها في تطوير عدد من التكنولوجيات الحديثة المرتبطة بمنتجات الراديو وبعد أن وصل لمنصب مدير الشركة للبحث والتطوير، قرر ترك الشركة لإنشاء عمله الخاص في نفس العام الذي تم طرح الهاتف للمستهلكين فيه.

وبالفعل قام كوبر بتأسيس عدة شركات أخرى، وكان أولها هي شركة مرتبطة بانتشار الهواتف المحمولة، حيث كان يعتقد كوبر أن هاتفه سيمثل مستقيل الاتصالات، وكانت الشركة تعتمد على إنشاء نظام فوترة للمكالمات الخلوية.

وقد ذكر كوبر أنه في عام 1983 م، عندما كان يعمل على نظام الفوترة الخلوية، وحاول أن يقنع بعض الناس بفكرته قائلًا، “سيكون هذا نشاطًا تجاريًا كبيرًا في المستقبل القريب، وستحتاج إلى إنشاء فواتير للأشخاص وتتبع مقدار حديثهم وتكلفته” لكنه وجد رجلًا من لندن يقول له “حسنًا، ربما أنتم الأمريكيون تشترون مثل هذه الأشياء، لكنني أجريت دراسة ووجدت أن السوق طويل الأجل في لندن لن يزيد عن حوالي 12000 شخص سيشترون الهواتف المحمولة “، ففي ذلك الوقت كانت فكرة انتشار الهواتف الخلوية بالطريقة التي نراها اليوم أمر صعب التخيل بالنسبة للأشخاص العاديين، حتى بعد اختراعها بعدة سنوات.

لكن كوبر كان يرى غير ذلك، وكان محقًا فقد حققت شركته الرائدة في مجال الفوترة الخلوية نجاحًا كبيرًا، وسرعان ما باعها مقابل 23 مليون دولار، وتوجه سريعًا لتأسيس شركته التالية وهي شركة كانت بمثابة منظمة لشركات أخرى منها شركة ArrayComm والتي أطلقها عام 1992 بتطوير برمجيات الاتصالات اللاسلكية،وقد تطورت تلك الشركة بسرعة لتصبح من الشركات الرائدة عالميًا في مجالها، وقد سجلت تلك الشركة 400 براءة اختراع.

كما كان لكوبر إسهام هام كبير أخر في مجال الاتصال وهو قانون كوبر، والمعروف بقانون كوبر للكفاءة الطيفية، والذي ينص على أن الأحد الأقصى لعدد المحادثات الصوتية التي يمكن أن يتم إجراؤها في جميع الطيف الراديوي في منطقة محددة دون أن تتداخل يتضاعف كل 30 شهر.

وخلال حياته تواصل كوبر مع الحكومات وعمل مع مجموعات حكومية صناعية ومدنية كمستشار تكنولوجي، كما أنه كان يكتب ويلقي محاضرات في هذا المجال الذي أحبه وكرس حياته لتطويره.