قصة الأميرة صبح

الأميرة صبح أو صبيحة كانت زوجة الخليفة الحكم المستنصر بالله وهو الخليفة الأموي التاسع في الأندلس ، وقد كانت صبح جاريته فأعجب بها وتزوجها بعد أن أنجبت له أبنًا ، وبعد وفاة الخليفة أصبحت صبح هي الوصية على عرش الأندلس لأن ابنها الأمير  هشام بن الحكم كان صغيرًا عند وفاة والده .

كانت صبح من منطقة تقع في شمال أسبانيا تسمى بشكنس ، وعندما غزا العرب تلك المنطقة وقعت صبح والتي كان اسمها أورورا كأسيرة ، ولأنها كانت بارعة الجمال تم نقلها إلى قصر الخليفة في قرطبة لتكون جارية في قصر الزهراء ، ويقال أن صوتها كان عذبًا ، وفي أحد الأيام بينما كان الخليفة يتجول في القصر سمع صوتها فأعجبه كثيرًا ، ومنذ ذلك الحين أصبحت صبح هي الجارية المفضلة لدى الخليفة حتى أنها حملت منه ، وقد كان زواج العرب من الإسبانيات في ذلك الوقت شائعًا حتى أن جدة الخليفة نفسه كانت جارية إسبانية تسمى مارية .

بعد أن أنجبت صبح ولدًا للخليفة اسمه عبد الرحمن تزوجها وجعلها أميرة قرطبة ، ومنذ أن أصبحت صبح أميرة واعتادت أن تشارك في كل أمور الحكم حتى أنها قربت حاجب الدولة جعفر بن عثمان المصحفي إليها ، وكانت تجتمع معه كل يوم لتعرف منه أحوال الحكم والرعية والقضاة في الدولة وكانت تصدر له الأوامر التي تخص لليحكم لينفذها .

ولما رأى الخليفة الحكم أن صبح بارعة في إدارة شئون الدولة قام بتعيين كاتب لها ليعاونها في أعمالها ، وتم الإعلان عن طلب حاجب فتقدم إليه العديد من كتاب الأندلس فوقع اختيار الخليفة على محمد بن أبي عامر ليكون كاتب الأميرة وقد وافقته الأميرة على اختياره ، وسرعان ما أصبح بن أبي عامر من المقربين إلى الأميرة بفضل ذكائه الشديد .

عندما مرض الخليفة الحكم ولزم الفراش شعرت الأميرة أنها في خطر لأن ولي العهد كان المغيرة أخو الخليفة الحكم إذا تولى الحكم بالتأكيد سوف يطردها من القصر هي وابنها هشام ، وكان الخليفة قد قابل عرافًا في السابق وقد أخبره أن ملك بني أمية سوف يستمر في الأندلس مادام ينتقل بين الآباء والأبناء ، ولكنه سوف يزول إذا انتقل بين الإخوة .

فاستغلت صبح تلك الفرصة وبدأت تذكر الخليفة بكلام العراف لتقنعه أن ينقل ولاية العهد إلى ابنه هشام ، كما أنها اقنعته أن يجعل كاتبها المخلص ابن أبي عامر هو صاحب الشرطة في الأندلس ، وكان في القصر اثنان من الحجاب يسميان فائق وجؤذر وكانوا يحكمون حوالي ألف من العبيد والجنود ، فطلبتهم الأميرة وطلبت المصحفي وابن أبي عامر وجميع كبار رجال الدولة ودخلوا على الخليفة في فراش الموت ، فبايعوا الأمير هشام ليكون خليفة والده ، وكانت الأميرة صبح في ذلك الوقت تراقب البيعة من وراء ستار .

وعندما مات الخليفة الحكم طلبت صبح من فائق وجؤذر أن يخفيا خبر الوفاة عن كل الناس حتى تنصب ابنها هشام الذي كان يبلغ اثنتي عشر عامًا خليفة ، ولكن فائق وجؤذر كانا يرتبان لتولية المغيرة أخو الخليفة الحكم قبل أن يموت الخليفة الحكم .

فلما أخبرتهن الأميرة صبح بوفاة الخليفة ذهبوا للحاجب المصحفي بالرغم من أنهما كان يكرهانه ، وطلبوا منه أن يعطي البيعة للمغيرة ، ولكن المصحفي أخبر ابن أبي عامر بنيتهما وبالتالي أخبر الأميرة ، فرأت الأميرة أن أفضل طريقة تولى بها ابنها هشام من خلال قتل المغيرة وبالفعل أرسلت ابن أبي عامر ومعه مجموعة من الجنود فقتلوا المغيرة وتولى الأمير هشام بن الحكم حكم الأندلس .

بعد تولي الخليفة الصغير الحكم أصبحت أمه هي المتولية زمام أمور الحكم ، وقد رفعت ابن أبي عامر لديها إلى أعلى مكانة ، ومع مرور الوقت أصبح ابن أبي عامر هو أقرب شخص للأميرة صبح ، لذلك جعلته الحاكم الفعلي واستطاع بمساعدة الأميرة صبح أن يتخلص من الحاجب المصحفي وكل أصهاره وأعوانه الذين كانوا منتشرين في المناصب داخل الدولة وعين أعوانه بدلًا منهم وكان للأميرة صبح الفضل في ذلك  .

كما أن ابن عامر قد قاد جيشًا تصدى لهجمات الفرنجة على قرطبة مما جعله محبوب بين العامة ، وبعد أن استتبت الأمور لابن  أبي عامر وتخلص من كل أعدائه داخل القصر قرر فرض الوصاية على الخليفة هشام ومنعه من الخروج دون إذنه وحفر خندقًا حول القصر ليمنع أي أحد من الوصول إليه .

شعرت الأميرة صبح أنها أساءت إلى ابنها هشام عندما رفعت ابن أبي عامر لتلك المكانة ، ولكن الآوان كان قد فات ، فاعتزلت صبيحة أمور السياسة حتى ماتت عام 390 للهجرة .