قصة العالمة ملاك عابد بنت مكة المكرمة

لمن لا يعرف ملاك عابد هي ابنة الجوهرتين ويطلق هذا اللقب على من يعمل والداه في خدمة الحجيج ، ولدت ملاك بمرض نادر وتوقع الجميع أنها لن تعيش طويلًا لكن إرادة الله سبحانه وتعالى كانت فوق كل شيء ، حيث عاشت الفتاة ونجحت نجاحًا باهرًا .

ولدت بنت مكة المكرمة بمرض يسمى فرط التنسج الكظري ، وهو مرض نادر لا يحدث إلا لكل مولود من بين عشرة ألاف مولود ولكن هذا كان قدرها ، لأن هذا المرض كان يجعل الجسم عاجز عن إنتاج ما يكفي من الهرمونات الأساسية ، وهذا يؤدي بدوره إلى اضطراب في التغذية وأيضًا خلل في ضربات القلب وقد يصل للجفاف .

كما يؤدي أحيانًا إلى مرضي السكر وضغط الدم ، وفي مستشفى الحرس الوطني استطاع طبيب إنجليزي أن يشخص حالتها بدقة ولكن كان يجب أن تكمل علاجها بإنجلترا ، وهنا تواصلت والدتها مع وزارة الصحة واستطاعت أن تصطحب ابنتها للعلاج بلندن .

وبالفعل دخلت الطفلة ملاك عابد مستشفى لندن وكان بجوارها طفل يعاني من نفس المرض ، وكان هذا الطفل يعاني كثيرًا ويتألم كثيرًا ولكن صوته اختفى في يوم من الأيام وعلم الجميع أنه توفى ، فتوقعت الطفلة الصغيرة ملاك أنها ستموت مثلما مات هذا الطفل ، وكانت أحيانًا تستمع لأقاربها وهم يهمسون بأنها ضعيفة البنية ولن تستطيع تحمل العلاج وستموت .

ولكنها رغم ذلك أكملت رحلتها العلاجية بلندن وتحسنت حالتها نسبيًا ، ثم عادت ملاك إلى موطنها بمكة المكرمة ، ولكنها واجهت مشكلة جديدة وهي أن والدها انفصل عن والدتها بسب ضغوط الحياة ، وبدأت رحلة كفاح جديدة فكانت تذهب باستمرار لمستشفى الملك فيصل بالرياض لكي تتابع حالتها الصحية .

ولم يتوقف نضال ملاك عند حد المرض بل ناضلت من أجل التعليم ، فكانت توفر مصروفها الشخصي لكي تشتري كتب الدراسة وتعلم نفسها ذاتيًا ، وبدأت تتعلم الكيمياء والأحياء وكانت تهتم كثيرًا بالمواد العلمية وتحبها ، وبالفعل استطاعت أن تنجح وتتخرج من الثانوية العامة بتفوق وبنسبة 99.2 % ، وحققت المركز الخامس على مستوى مكة المكرمة رغم معاناتها مع المرض .

وبدأ حلم جديد وهو حلم التحاقها بالكلية التي تمنتها وهي كلية الطب ، وبالفعل تقدمت للالتحاق بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وتم قبولها ، وفي السنة الأولى بالكلية كانت تعيش بالسكن الداخلي بعيدًا عن والدتها ، ولكنها في العام التالي قررت أن تعيش مع والدتها بمكة وتساهم أيضًا بمصروف البيت .

وكان ذهابها إلى الكلية مجهدًا جدًا عليها فكانت تستقل الحافلة من مكة في الساعة الخامسة فجرًا ، وتتوجه إلى جدة حيث كليتها ثم تعود في المساء ، ومرت سنوات دراستها مع كثير من المشقة والتعب لكنها تفوقت وتخرجت من كلية الطب .

وقررت أن تتخصص في تلك الأمراض النادرة التي عانت منها شخصيًا ، وحصلت على بعثة للدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية في جامعة تفتس ، وكانت منحتها تقدر بـ 1215 دولار ، وكانت تسكن بمشاركة زميلاتها المتفوقين علميًا ، وبدأت رحلة كفاح جديدة في بلادٍ بعيدة .

وبالفعل نجحت ملاك في الحصول على درجة طبيب مقيم في تخصص الأمراض الإكلينيكية من جامعة جورج تاون ، واستمرت بنت مكة في عمل أبحاث ودراسات على الحالات النادرة وأثناء ذلك أخذت خطوة صعبة للغاية فقد كانت إلى جانب عملها اليومي ترغب في الحصول على درجة الماجستير في الإدارة الطبية من أعرق مستشفى بالعالم وهي جونز هوبكنز .

وتخيل الجميع أن هذا مستحيل ولكنها بالفعل كانت أول سعودية تحصل على الماجستير في الإدارة الطبية من تلك المستشفى العريقة ، وحينما حصلت على أول راتب لها ساعدت أسرتها بالمملكة .

واستطاعت أن تحقق حلم كبير للغاية وهو أن تحصل على أول بورد أميركي في وطننا العربي في تخصص الأمراض الجينية الجزيئية ، حتى أن أعرق مستشفيات العالم بهارفارد بعثت لها بخطاب يدعوها لكي تكون ضمن أعضاء أعرق مستشفى بالعالم ، وأخبروها بأن وجودها هو إضافة لتلك المستشفى العريقة .

وهذا بالطبع كان يدل على مدى براعتها وعلمها ، فقد أصبحت ملاك عابد العالمة السعودية معروفة في العالم كله  بهذا التخصص النادر وهو علم الأمراض الجينية ، حتى أن البيت الأبيض والرئيس أوباما بعث لها بخطاب شكر على جهودها الأكاديمية وعملها بأعرق جامعتين بالعالم .

فقصة نجاح العالمة الجليلة ملاك عابد ليست قصة عادية فمن فتاة محكوم عليها بالموت إلى عالمة تسهم في شفاء المرضى من الموت ، لتسطر بذلك قصة ملهمة لكل شباب الوطن العربي في الصبر على المرض ، والرضا بقضاء الله والكفاح في العلم والمثابرة عليه .