قصة من حياة أبو حامد الغزالي

كم من عالم مسلم ، أفرزته بيئتنا العربية ووطننا العربي الكبير ، على مدار التاريخ في مجالات عدة ، والذين أثروا العلم بالكثير والكثير ، من القوانين والنظريات ، التي غيرت وجه التاريخ ، ولكن تراجع هذا الدور المثالي ، مع قدوم الاستعمار الغادر إلى بلداننا ، وعلى الرغم من ذلك ، بقي الأثر الخالد لهؤلاء العلماء ، الذين قدموا للبشرية ، ما هو محفور بالذاكرة حتى وقتنا هذا ، ولعل العالم أبو حامد الغزالي ، أشهر من تركوا خلفهم ما أثرى وجدان العرب جميعًا .

مولده ونشأته:
ولد الإمام محمد الغزالي ، عام 450 هـ الموافق 1058م ، في بلدة طوس بدولة خراسان ، لأسرة فقيرة الحال للغاية ، حيث كان والده يعمل في غزل الصوف ، ليبيعه في طوس من أجل الإنفاق على أسرته الصغيرة ، فلم يكن لديه أبناء سوى أبا حامد ، وشقيق يصغره ببضعة أعوام ويدعى أحمد .

وكان والد محمد الغزالي ، رجلاً يميل إلى الصوفية ، ولا يأتي بطعام لأسرته ، إلا أن يكون من كسب يديه ، وكثيرًا ما كان يجالس العلماء والفقهاء والشيوخ ، ويعمل على خدمتهم داعيًا الله ، أن يرزقه ولدًا فقيهًا ، حتى رزقه الله ابنه محمد أو كما اشتهر بأبو حامد ، في حين كان شقيقه يعمل واعظًا للناس .

تعليمه:
شاء القدر أن يتوفى الأب الفقير ، ولكن قبيل وفاته أوصى أحد أصدقائه من العلماء الصوفيين ، بأن يكفل شقيقه وابنه ، ويعمل على تعليمهما ، وأخبره أنه لم ينل حظه من التعليم ، وطلب منه إنفاق المال على تعليمهما ، فعمل الرجل بوصيته عقب وفاته ، وأنفق كل ما تركه الرجل من مال ، على تعليم الابنين ، هنا أخبرهما الرجل أن ما تركه الوالد من مال ، قد نفد تمامًا وأنه رجل فقير لا مال لديه .

لينفقه عليهما استكمالاً لما وصى به والدهما ، وطلب منهما أن يلجئا إلى مدرسة ، يطلبا منها العلم ، ويحصلا منها على مال يكفيهما لسد رمقهما ، ففعلا ما نصحهما به ، ليلتحقا بمدرسة ينهلا من العلم فيها ، على يد العالم الجويني ، مما كان له أكبر الأثر في رفع درجتيهما في العلم ، حتى أنه من شدة فصاحة الغزالي ، كان زملائه يسألونه في أي شيء ، إذا أردوا التأكد من صحته وهكذا .

وكان الغزالي قد تعلم من أستاذه الجويني ، كل ما يتعلق بشأن الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية  ، وكل ما يتعلق بالقرآن والحديث ، فحفها جميعًا عن ظهر قلب ، وبرع فيها.

برع الإمام الغزالي في علوم الدين الإسلامي كافة ، ونهل من العلوم الأخرى بشكل واسع ، فأكد أن العلم حياة وأكد على ضرورة ارتباط التدين ، بالحصول على العلم الوفير ، فهو أحد أسس الحياة ، إذا ما اتخذنا الدين منهجًا لنا .

بدأ الإمام الغزالي في تأليف أول كتبه ، وهو في عمر السابعة والعشرين ، فانتقل في هذا الوقت إلى بغداد الشقيقة ، وعمل بها معلمًا لعلوم الدين ، وكان شديد التفتح وغزير العلم والوعي أيضًا ، حيث تعرف على الكثير من أفكار الفلاسفة ، فناقش الكثير من الأفكار المتعددة في الدين ، واختبرها كافة من أجل الوصول فقط إلى الحقيقة .

ليغادر بعدها الإمام الغزالي ، قاصدًا دمشق الشقيقة ، متابعًا لرحلة العلم حيث ألف في هذا الوقت الكثير من الكتب ، مثل إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال ، ليصل إنتاجه إلى أكثر من 96 كتابًا ، في الدين وكافة فروع العلم .

وفاته:
عقب أن عاد الغزالي إلى مدينته طوس ، والتي مكث فيها بضعة أعوام قليلة ، توفى في يوم 14 جمادي الآخرة عام 505 هـ ، والذي وافق 19 ديسمبر 1111م ، وكان العالم الجليل قد أنجب بنات فقط ، وروى عنه عمه أحمد ، أنه في يوم وفاته كان قد توضأ وصلي ، ثم قال عليّ بالكفن ، ليأخذه ويلثمه ويضعه بين عينيه ، ثم ألقى السلام والتحية ، وقال سمعًا وطاعة للدخول على الملك ، ليمد قدمه تجاه القبلة ، ويموت قبل الإسفار ، وأوصى بعض أصحابه قبيل وفاته بالإخلاص ، رحم الله الإمام الغزالي .