قصة نجاح طلال مداح

لما كانت المملكة في طور النشأة فقد كان للشخصيات القيادية ، ذات الحضور الطاغي عامل مهم للغاية ، لتعويض غياب المؤسسات في ذلك الوقت ، وقد أنجبت المملكة ، شخصيات عدة أثرت تأثيرًا إيجابي للغاية ، وأسهمت في حياة المملكة ومواطنيها كثيرًا ، وتلكم الشخصيات متنوعة في مجالات مختلفة منها السياسي والعلمي ومنهم عباقرة الصرافة وفي مجال الفن فيعد قيثارة الشرق ، وذو الحنجرة الذهبية طلال مداح ، صاحب الصوت العذب ، أهم من أنجبتهم المملكة في الطرب والموسيقى على مدى قرن من الزمان .

نشأة طلال مداح وأسباب دخوله عالم الفن :
ولد الفنان طلال مداح في مكة المكرمة في الخامس أغسطس عام 1940م ، هو طلال بن عبد رب الشيخ بن أحمد بن جعفر الجابري ، والده عبد الرب الشيخ كان أحد العازفين المهرة على آلة السمسمية وآلة المدروف ، وكان محمد رجب أقرب أصدقاؤه من الصغر وكان يهوى ترديد أغاني الموسيقار محمد عبدالوهاب المصري في ذلك الوقت ، وكان يلقنها لطلال ليشاركه في ترديدها ، وقد ولى تربية طلال مداح زوج خالته الذي يدعى على مداح ، وسماه طلال مداح ، وكانت كل هذه العوامل المحيطة بطلال مداح سببًا قويًا لدخوله في عالم الفن منذ نعومة أظافره .

في المدرسة عُرف طلال بصوته العزب ، مما كان سببًا في الاعتماد عليه كمقرئ الحفلات المدرسية ، وكان لطلال صديق في المدرسة يدعى عبدالرحمن خوندنه ، كان يجيد العزف على آلة العود ، وكانا يشكلان ثنائيًا فنيًا رائعًا ، ولأن الطرب كان مستهجنًا ومحرمًا في تلك الفترة في المملكة ، فقد اتفقا على الاحتفاظ بآلة العود في منزل طلال لأنه أمن مكان له حيث لا يستطيع والد خوندنه اكتشاف الأمر .

طلال الفنية وانطلاقاته الفنية في فترة سبعينات القرن :
في فترة الستينات قام طلال مداح بغناء أعمال فنية لكبار الملحنين منهم فوزي محسون والموسيقار سراج عمر ، وغني للموسيقار محمد عبدالوهاب أغنية ماذا أقول … وفي فترة سبعينات القرن والتي تعد فترة اشتهار وانتشار وانطلاق الفنان طلال مداح فنيًا ، حيث غنى أعظم أغانيه لكبار الشعراء منهم : الأمير بدر بن عبدالمحسن ، الأمير عبدالله الفيصل ، وقام بتلحين أغانيه بنفسه ، والبعض الآخر قام بتلحينها سراج عمر ، ومن أروع الأعمال الفنية لتلك الفترة هي : زمان الصمت ، وعد ، غربة وليل ، مقادير ، أغراب ، لا تقول .

وقد تعاون أيضًا الفنان طلال مداح مع عدة ملحنين آخرين أبرزهم هو الملحن عبدالله محمد ، الذي تعاون معه في أغنية يا صاحبي ، والملحن طارق عبدالحكيم ، الذي لحن له أغنية عاش من شافك .

ورغم وجود مطربين كبار في القاهرة في ذلك الوقت ، مثل سيدة الغناء العربي أم كلثوم ، والعندليب الأسمر عبد الحليم ، وفريد الأطرش ، إلا أن ذلك لم يمنع طلال مداح من إشعال مسارح القاهرة بغناؤه العزب ، وحنجرته الذهبية وأغانيه التي تخطت حدود الخليج ليشدو بها على مسارح القاهرة وسط انبهار تام من مستمعيه .

وقد قام أيضًا طلال مداح بتلحين مقاطع موسيقية دون وجود نص شعري عليها ومن أشهرها لحن ليالي البرازيل ، والتي أثبتت أن تأليف الألحان من ضمن مواهب طلال مداح الفنية .

ابتعاد عن الساحة الفنية وعودة قوية مرة أخرى  :
ابتعد طلال مداح عن الساحة الفنية بشكل مؤقت ، في بداية الثمانينات ، وقام بالانتقال للعيش في لندن ، وتنقل بينها وبين المغرب لمدة أربع سنوات ، وعاد للملكة  ، وتحديدًا في لمدينة الطائف عام 1985م ، ليشدو في افتتاح البطولة العربية  .

وأطرب الحضور بمواله الرائع : زارنا في الظلام يطلب سترا ، وعاود نشاطه الفني مرة أخري وشدى أروع أغانيه ومنها : ماعاد لي نفس ، زل الطرب ، وغيرها ، وقام بتقديم روائع الأغاني في تاريخ المملكة مثل : خلصت القصة ، أحرجتني ، وقد حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية والذي منحه له الملك فهد بن عبد العزيز في ذلك الوقت .

تجديد التوزيع والغناء للروائع القديمة :
قام طلال مداح في فترة التسعينات، بإعادة تجديد روائع أغانيه التي طرحها في فترة الستينات والسبعينات ، وتجديد توزيعها وغناءها على آلة العود ، ومن تلك الأغاني : بعد إيه ترسل كتاب ، وظالم ولكن ، وما عندنا عندك ، وقام بإصدار أغاني جديدة والتي تعاون فيها مع رفيق دربه الملحن سراج عمر ، ومنها : ذهب ، والعطر ، وراجع أشوفك ، وتعاون في تلك الفترة مع بعض الملحنين المصريين ومنهم الدكتور إبراهيم رأفت في أغنية عز اغترابي ،ومع الملحن صالح السيد في أغنية اعذروني ، وقرر طلال في تلك الفترة من تقليل حفلاته والاكتفاء بالحضور المحلي ، في مهرجانات جدة وأبها ، والجنادرية .

طلال مداح وتطوير الأغنية السعودية :
كان من المتعارف عليه كما جرت العادة عند المطربين ، أن يقوموا بتلحين الأغنية بأسلوب اللحن الواحد ، وقد قام طلال مداح بتلحين وغناء أغنية : وردك يا زارع الورد ، بأسلوب يسمونه الأغنية المكبلة ، كما غنى طلال مداح الكثير من الأغاني بأسلوب الأغنية المكبلة ومنها : مجروح وان ، غريبة ، ياللي الليالي مشوقة وغيرها ، كما قام طلال مداح بتلحين أغاني شبيهة بالألحان الغربية ، مثل : أغنية وعد ، كما قام بغناء أغنيتي : تعالي ، ويا حبيب العمر ، وهما من الأغاني الطويلة التي خاض تجربتها طلال مداح .

ألقاب أطلقت على طلال مداح :
أطلق على طلال مداح ألقاب عديدة منها : قيثارة الشرق ، فارس الأغنية السعودية ، الحنجرة الذهبية ، زرياب التي أطلقها عليه الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب .

طلال مداح رائد الفن السعودي :
ويعد طلال مداح هو رائد الحداثة بالأغنية السعودية ، فهو أول من اقتحم مجال الإنتاج السينمائي بفيلم شارع الضباب والذي شارك في تمثيله ، وهو أول من قام بطباعة إسطوانات داخل المملكة ، وهو أول من قدم فرقة موسيقية سعودية متكاملة ، وهو أول من قام بتطوير الأغنية السعودية على نمط الكوبليهات ، أول من أذيعت له أغاني سعودية في لندن و القاهرة ودمشق ، والإذاعات الموجهة في ألمانيا وهولندا وموسكو

وأول من حصل على الأسطوانة الذهبية حيث عمل على إضافة وتر للعود وتعلم التقنية الموسيقية ، أول فنان سعودي يكرم داخل المملكة وخارجها ، أول فنان سعودي سجلته جمعية المؤلفين والموسيقيين بفرنسا ، أول من قدم مسرح في التليفزيون السعودي ، أول من أقام حفلات داخل المملكة وخارجها .

حياة الفنان طلال مداح العائلية :
تزوج طلال مداح ثلاث مرات ، الأولى زوجته أم عبدالله تزوجها في مدينة الطائف عام    1380هـ ، وأنجب منها أربع ذكور وثلاث بنات أكبرهم عبدالله ، وزوجته الثانية أم رشا أنجب منها بنتين ، وزوجته الثالثة هي أم خالد وأنجب منها ابن واحد وهو خالد وثلاث بنات.

وفاته :
توفي طلال مداح 1421هـ  ، يوم الجمعة الموافق 11أغسطس عام 2000م ، عن عمر يناهز ستين عام ، أثر تعرضه لأزمة قلبية ، وهو على خشبة مسرح المفتاحة ، وسط تصفيق كبير استمر لمدة خمس دقائق من الحضور ، وقد سقط بعدها من على الكرسي الذي كان يجلس عليه أثناء استعداده لأداء أغنيته الله يرد خطاك ، نقل سريعًا إلى المستشفي ولكن إرادة الله قد انقضت ، ونقل جثمانه للصلاة عليه بمكة المكرمة في المسجد الحرام ، ودفن بمقابر المعلاة بمكة المكرمة ، وقام بتشييعه أكثر من مائة ألف من محبيه وحضر مراسم العزاء بمدينة جدة كبار الشخصيات من رجال الدولة وفنانين وصحفيين.