قصة بوكاهانتس

شغلت هذه المرأة عقول الأدباء والمبدعين فدونوا قصتها وحولها إلى فيلم باسمها ، إنها واحدة من السكان الأصليين الذين سكنوا الأمريكتين قبل وقت طويل ، وهي ابنة قادة أحد قبائل الهنود الحمر الذين عاشوا في أواخر القرن السادس عشر ، وتعد حياة هذه السيدة تجسيدًا لمعاناة الهنود الحمر من المستكشفين الأوروبيين .

طفولة بوكاهانتس :
كانت بوكاهانتس الابنة المفضلة لأبيها بوهاتان زعيم قبائل الألغونكوان الهندية التي كانت تقطن فرجينيا قديمًا ، وكان والدها يمثل السلطة العليا في مقاومة المستكشفين الجدد الذين حطوا رحالهم هناك عام 1607م ، وقد ولدت بوكاهانتس عام 1595م واسمها الحقيقي هو ماتواكا ولكنها اشتهرت ببوكاهانتس الذي يعني الصغيرة المرحة .

علاقتها بالإنكليز :
كان الكابتن جون سميث يقود حملة استكشافية قادمة إلى فرجينيا عام 1607م ، وحينها وقع أسيرًا في يد السكان الأصليين ، وقبل محاولتهم قتله هرعت الصغيرة بوكاهانتس ووضع رأسها عليه حتى لا يقتلوه ، ثم أخذته ووضعته عند أقدام أبيها فعده منذ ذلك الوقت صديقًا وعفا عنه .

في تلك الفترة اتسمت العلاقات بين الإنكليز والسكان الأصليين بالطمأنينة والسلام ، فكانت بوكاهانتس تزور مستعمرة جيمس تاون التي يقطنها سميث ومن معه حاملة رسائل من والدها مع بعض الهنود بغرض التبادل التجاري ، لكن لسوء الحظ لم تستمر فترة السلام تلك سوى وقتًا قصيرًا وسرعان ما انتشرت الاضطرابات بين الفريقين ، وعاد سميث إلى انكلترا إثر إصابته بطلق ناري ، وظنت بوكاهانتس أنه فارق الحياة .

حينما علم الجنرال الانكليزي سامويل أرغال أن بوكاهانتس تعيش في قرية قريبة من وجهته ، وضع خطة لخطفها وذلك ليحصل على فدية كبيرة ، وقد ساعده على ذلك أحد أفراد قبيلة باتوومك ويدعى يوباسوس حيث قام باستدراجها عام 1613م إلى سفينة أرغال وذلك مقابل قدر نحاسي منحه لزوجته .

ثم أرسل سامويل أرغال إلى بوهاتان والد بوكاهانتس يخبره بأمر اختطافها ، وأنه مستعد لإعادتها مقابل الإفراج عن بعض الانجليز المحتجزين لديهم ، وإعادة الأدوات والأسلحة التي سرقها الهنود الحمر منهم بالإضافة إلى جزء من محصول الذرة ، فوافق بوهاتان على تلك الصفة وأرسل جزء من الفدية مقابل أن تتم معاملة ابنته بلطف .

وبعدها عاد سامويل ببوكاهانتس إلى مستعمرة جيمس تاون التي التقت فيها بمزارع التبغ جون رولف عام 1613م ، وشرع فيها القس ألكسندر ويتنكر على تلقينها مبادئ الدين المسيحي ، ظلت ابنة الملك الهندي في الأسر مدة عام ثم اقتادها السير توماس ديل لتمام الصفقة في أراضي أبيها بوهاتان .

لكن الصفقة لم تتم بسبب هجوم السكان الأصليين على الإنكليز مما أدى إلى إحراق الانكليز لمنازل الهنود وقتلهم الكثير منهم ، فاستاءت بوكاهانتس من تفضيل والدها للسلاح عليها وأخبرت أخوتها عن المعاملة الحسنة التي كانت تتلقاها من الإنكليز .

وبعد موافقة بوهاتان بدفع كل ما تبقى عليه من الفدية رفضت بوكاهانتس العودة إلى القبيلة وفضلت البقاء مع الانكليز لتتزوج من مزارع التبغ جون رولف بعد اعتناقها المسيحية تحت اسم ريبيكا ، فوافق أبيها مضطرًا على هذا الزواج لعله يكون السبب في نشر السلام والوئام بين الطرفين .

سفر بوكاهانتس إلى انكلترا :
في ربيع 1616م سافر السير توماس عائدًا إلى لندن وبصحبته بوكاهانتس وزوجها وابنها توماس ، وقد أثار وجودها في لندن ضجة كبيرة حيث تعامل معها الشعب البريطاني على أنها امرأة همجية متمدنة ، وظهرت هناك كابنة الملك التي تعامل باحترام ، فقد كان ينظر للهنود على أنهم همج ولكنها أثبتت رقيها وأن لا أحد يولد همجيًا ، فقط هي الفرصة التي تأتي إليه وتنقله من حالٍ إلى حال .

وأثناء وجود بوكاهنتس بلندن التقت بجون سميث ذلك الرجل الذي أنقذته قبل ثماني سنوات وظنت أنه فارق الحياة ، حينما رأته كانت عاجزة عن الكلام ولكنها نادته بكلمة أبي ، وكنت تلك أخر مرة يتقابلان فيها ، وبعد سبعة أشهر قرر جون العودة مع زوجته وابنه إلى فرجينيا وكان ذلك في آذار 1617م .

لكن حال مرض بوكاهانتس دون البقاء هناك فقد أصيبت بالتهاب رئوي حاد اضطرها للعودة إلى الشاطئ وهناك رقدت ودفنت بحديقة كنيسة غريفسند الواقعة في انكلترا عن عمر 22 عام فقط قضتهم بوكاهنتس في محاولة لم الشمل ونشر السلام بين شعبها والوافدين الجدد ، وهكذا استطاعت هذه الشابة الراحلة أن تلهم الفنانين وصناع السينما لعمل أروع الأفلام التي تجسد قصتها .