قصة أحمد بن دعيجس

أجمع مؤرخي التاريخ في شبه الجزيرة العربية على أن حركة العلم والتدوين لاقت رواجًا كبيرًا خلال الثلاث قرون المنصرمة عما كانت عليه قبل ذلك ، ولا شك أن اسم ابن دعيح كان على رأس ما دونه المؤرخون عن تاريخ شبه الجزيرة العربية خاصًة بعد أن ترك لنا شاهدًا تاريخيًا لمرحلة التي عاشها من خلال أرجوزة شعرية زامنت النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري.

المولد والنشأة :
هو الشيخ أحمد بن علي بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن راشد بن علي بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن موسى بن دعيج ، ولد الشيخ في بلدة مرات ، وهي بلدة الشاعر الأموي ذي الرمه ، وكان هذا في عام 1190هـ ، وأخذ العلم عن علمائها وعلماء نجد الذين عاصروه ، وقد كان رحمه الله متذوقًا جيدًا للشعر منذ صغره ، ما نظم بيت إلا وأحسن نظمه ، وقد حفظت بعض قصائده ومنظوماته ولكن بعضها الأخر للأسف قد صابته يد الإهمال ، وضاع مع مجمل ما ضاع من كتاباته الفريدة.

توليه القضاء :
ورد في كتابات المؤرخ سليمان الخراشي أن أهل مرات عينوه قاضيًا عليهم بعد مقتل القاضي الشيخ إبراهيم بن مشرف في الماوية عام 1232هـ في المعركة التي وقعت بين الإمام عبدالله بن سعود والحاكم العثماني ، واستولى بعدها الوالي العثماني على بلدان نجد ، وصار كل بلد هو الحاكم الأمر على نفسه ، وظل الشيخ بن دعيج قاضيًا في أهله حتى حينما عادت سدة الحكم لأل سعود مرة أخرى على يد الإمام تركي بن عبد الله ، ثم الإمام فيصل بن تركي ، ظل أيضا قائمًا في عمله .

قصائده:
قال عبد الرحمن المغيري في كتابه المنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب أن ابن دعيج كان شاعرًا مفوهًا ، وله في مدح الملك فيصل رحمه الله نظمًا يصفه فيه بالعفة والصلاح حيث قال :

وما بدأتُ النظمَ إلا محبةً
وما كان مقصودي بذاك التنوُلا
لأن إله العرش قد سدَّ فاقتي
وعارٌ لغير الله أن أتذللا
لأني من قوم كرام أعزة
بني لام حقاً مجدُها قد تأثلا

أرجوزة بن دعيج:
الرجز هو أحد بحور الشعر المعروفة ، وتسمى قصائد الشيخ دعيج بالأراجيز ، ومفردها أرجوزه ، وهي مجموعة من الأبيات الشعرية المنظومة بشكل يوثق التاريخ ، وأحداثه ، كما يمكن استخدامها لحفظ القواعد الفقهية والعلوم الشرعية بطريقة تسهل الأمر على مريدين العلم وطلابه ، وقد نقل لنا الشيخ أحداث حملة إبراهيم باشا على وسط الجزيرة العربية ، والتي عاصرها ونظمها بشكل شعري متفرد ، ومتنوع المفردات والألفاظ ، وكانت أرجوزته تلك توثيقًا لتاريخ الحملة ومجرياتها ، وما نتج عنها من تطورات وأحداث ، و قد بدأ الشيخ أحمد هذه الأرجوزة بقوله:

الحمد لله على ما انعما
حمداً به يجلو عن القلب العمى
ثم الصلاة بعدُ والسلام
على نبيّ دينه الإسلام
يقول عبدٌ أصله من ماءِ
الحنبلي المذهب المَرائي
بفتح ميم ٍ أصح لا تضمّها
فضمّها يا صاح غاية ذمّها

وقد بلغت هذه الأرجوزة قرابة سبعمائة بيت لم يصلنا منها سوى مائة وتسعة وعشرين بيتًا ، ولم يعثر منها على نسخ كتبت بيد الشيخ سوى نسخة واحدة فقط نشرها الشويعر في مجلة الدارة عام 1403هـ .

تراثه العلمي :
كان الشيخ رحمه الله متبحرًا في العلم الشرعي وعلوم اللغة العربية حتى صار عالمًا من علماء بلدته مرت ؛ فكان ينسخ الكتب و ينظم الأشعار ، وعمل معلمًا ومفتيًا وقاضيًا يقضي بين الناس ويصلح من اختصم ، وكان له عدد من المخطوطات والمؤلفات القيمة ومنها كتاب الدر الثمين في عقيدة الموحدين ، والرطب الجني ، وأيضا كتاب الفرق الجلي المقتبس من مشكاة النبي العربي .

وفاته :
أدرك الشيخ الجليل الدولة الأولى ، ولم يفوته قيام الدولة السعودية الثانية التي ظل قاضيًا بها على بلدة مرات ، وتوفي النابغة الجليل رحمه الله عام 1268هـ بعد حياة حافلة بالعلم والعمل .