قصة عثمان بن بشر

بين التاريخ والأدب تكمن القصة ، فبطلنا هو المؤرخ الشهير عثمان بن بشر ، والذي كان عاشقا للتاريخ ومولعًا بالأدب ، فامتزجت شخصيته بالعراقة والفن ، فقد كان رحمه الله مؤرخًا عظيمًا وأديبًا كبيرًا ، كما كان من المهتمين بعلم المواسم والأبراج والنجوم وفق ما يسمح به الشرع الحكيم .

وأصدر أول كتاب نجدي عن حسابات الفلك والنجوم ، رصد به مواسم الزراعة ، ومواقيت المطر ، وتناقل الناس ما جاء به من حسابات ، وأطلقوا عليها حسابات بن بشر ، وهو أحد المؤرخين الذين ربطوا جسوراً كثيرة من أحداث الدولتين الأولى والثانية ، ووثق تاريخ شبه الجزيرة العربية بمؤلفاته .

نشأته:
ولد الشيخ والمؤرخ النجدي الشهير عثمان بن عبد الله بن عثمان بن أحمد بن بشر عام 1210هـ في بلدة جلاجل بإقليم سدير ، وقد ولد يتيماً الأب ؛ فوالده عبد الله بن عثمان كان قد توفي وابنه عثمان لم يتجاوز الخامسة بعد ، وذلك في عام 1215هـ ، تعلم القرآن ومبادئ الكتابة والقراءة في مدينة جلاجل .

ثم انتقل للدرعية بعد ذلك ، وهو في الرابعة عشر من عمره ، ليشهد الازدهار العلمي والاقتصادي الذي كان بها آنذاك ، وهناك تلقي العلم على أيدي قامة العلماء أمثال الشيخ عب الكريم بن معيقل ، والشيخ عثمان بن منصور ، وقاضي الإمام سعود بن عبد العزيز .

عاصر الشيخ عثمان عهد الدولتين السعودية الأولى والثانية ، وشهد الازدهار والتوسع ، وشهد البلاد أيضًا حالة من انعدام الامن وتصارع أمراء البلدان والأقاليم ، ولكن سرعان ما استطاع فيصل بن تركي طيب الله ثراه استعادة حكم نجد والإحساء .

كتبه ومؤلفاته :
لم يتوقف دور بن بشر على معاصرة الأحداث فقط ، بل سعى لتدوين كل ما مرت به البلاد من تقلبات وصراعات ، ودونها في مؤلفاته ، وتنوعت كتاباته بين الدراسات التاريخية وعلم الأنساب ، وكذلك علوم الأبراج والنجوم ، ومن أهم كتبه كتاب سهيل في ذكر الخيل  وكتاب الإشارة في معرفة منازل السبع السيارة ، الذي استفاد منه عامة الناس لاسيما أهل البوادي والزراع في الحواضر .

وكتاب بغية الحاسب ، وأيضا كتاب مرشد الخصائص ومبدأ النقائص في الطفيليين والثقلاء ، والذي صنف أنه شبيه بكتابات بعض علماء العصر العباسي ، الذين درسوا التاريخ الاجتماعي وصوروا لنا الجوانب المختلفة من تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية ، وقد أضفى عليه ابن بشر نزعة السخرية وحث فيه على النشاط والعمل .

كما أن له كتاب اسماه فهرس طبقات ابن رجب على حروف المعجم ، وهو يوضح مدى إلمامه بالدراسات الإسلامية ، وعلوم التراجم أما عن كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد فيظل هو الكتاب الأشهر والأكثر تداولاً بين الباحثين والمؤرخين ، كما أنه أحد أهم المراجع التاريخية التي يستخدمها الباحثون في تاريخ وسط الجزيرة العربية خلال السنوات السابقة.

كتابه عنوان المجد :
يعد هذا الكتاب من أشهر كتب المؤرخ والأديب عثمان بن بشر ، وقد عثرت له على طبعات مختلفة بها بعض الزيادة أو النقصان ، وقد تم استكمالها وطباعتها كاملة ، وهذا الكتاب طبع قبل ثلاثة قرون ، ووجدت منه نسخة بالمتحف البريطاني في لندن .

وترجع أهمية ذلك الكتاب ؛ لأنه شاهد على أحداث زمانه ، وفيه توثيق نادر لمرحلة مهمة من تاريخ وسط الجزيرة العربية خاصة رجلًا ذو علماً واسعا واسماً بارزاً في مجال التاريخ ، والذي لاشك فيه أن ابن بشر كان من أساطينه الموثوقة ، فربما كان يكتب الأحداث كوقائع يومية شهدها في حياته.

وفاته :
توفى الشيخ ابن بشر -رحمه الله- كما ذكر المؤرخ إبراهيم بن عيسى في التاسع عشر من جمادى الآخرة عام 1290هـ في بلدة جلاجل ، وقبل ولادة عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل .

ولا شك أن هذا المؤرخ العظيم قد أمد الباحثين في شبه الجزيرة العربية بتراثاً تاريخيًا لا يمكن الاستغناء عنه في معرفة تاريخ الجزيرة العربية ، فرحم الله هذا الشاهد الذي شهد على عصره رحمة واسعة.