في يوم شتاء بارد كان أبي الحصين يعاني من الألم والحسرة و هو عائد إلى وكره فقد فتش معظم النهار عن طعام لصغاره غير أنه لم يظفر بأي شيء وبينما كان يتلف يمينًا وشمالًا رأي فروة لأحد الرعاة معلقة على جذع زيتونة وكانت قريبة المنال ، فتناولها ولبسها ومشي مختالًا بها ، ومر بالضبع وسأله من أين لك هذه الفروة يا أبا الحصين فرد عليه وقال أنا صنعتها بنفسي فالخياطة مهنتي ومهنة العائلة جميعًا ، فقال له هل تصنع لي فروة مثلها .
فقال له مرحبًا بك ولكنك كبير الجسم وأعتقد أنني بحاجة إلى أربعة نعاج حتى أستطيع إعدادها ، فقال له سوف أتيك بكل هذه النعاج واحدة كل أسبوع ، وكان الضبع كلما جاء بنعجة لأبي الحصين أخذها إلى جحره وأكلها مع أولاده وبعد مرور شهر لقي الضبع أبا الحصين فسأله هل الفروة جاهزة يا أبا الحصين ، فقال نعم ولكن ينقصها الأكمام ، فقال ماذا تعني فقال له أتني بخروفين صغيرين وعندما أحضرهم الضبع أخذهم أبا الحصين لجحره وأكلهم مع أولاده .
وبعد أيام لقي الضبع أبا الحصين فسأله عن الفروة فقال له إنها كاملة ، ولمن ينقصها حزام وأن نعجة تكفي لذلك ولم يلبث الضبع أن أحضر نعجة سمينه ودفعها لأبي الحصين فأخذها إلى جحره وأكلها هو وصغاره وبعد حين لقي الضبع أبا الحصين وكانت علامات الغضب والضيق بادية عليه فلما سأل أبا الحصين عن الفروة فأجابه أنها جاهزة وأن بوسعه القدوم معه إلى جحره لأخذها والانصراف بها .
ولما بلغ الجحر كان واحد من أبناء أبي الحصين يتشمس خارج الجحر فقال له أسرع يا بني إلى الجحر وأحضر فروة عمك الضبع ، وغمز أبا الحصين ابنه بعينه على ألا يعود وطال الوقت ولم يعد أحد وبعد ساعات قال أبا الحصين للضبع أظن هذا اللعين قد نسي ونام ، سأذهب أنا بنفسي لإحضار الفروة ، وكان الضبع قد استيقن من خداع أبا الحصين وكذبه وعندما حاول أن يندس في جحره أمسك بيه من ذيله وشده بعنف بالغ .
فأنقطع الذيل واحتفى الثعلب في الجحر وهو يرتعد من الخوف وظل الضبع فترة من الزمن يتهدد ويتوعد ولكنه انصرف أخيرًا وفكر أبا الحصين في حيلة لطيفة حتى ينجو بها من انتقام الضبع ، وأخيرًا قال في نفسه لو صار عدد من جيالي مبتور الذيل مثلي فسوف يشكل الأمر على الضبع وأنجو بنفسه ، فدعا الثعلب جماعة من أصدقائه لبيته وقال عثرت أمس على شخص اسمه علوش ، رأيت الأشجار التي تعج بعناقيد العنب البيضاء والسوداء هل أنتم مستعدون للتوجه إليها عند مغيب الشمس .
وأجابوا بصوت واحد مستعدون مستعدون ، وعند غروب الشمس قاد أبا الحصين أصدقائه إلى الكرم وهناك انتشروا في الكرم فسادًا لتأكل ما لذ وطاب من عناقيد العنب البيضاء والسوداء ، وفي هذه الأثناء قام أبا الحصين بربط ذيل كلُ منهم بجذع وعندما فرغ من ذلك انطلق يعدو لبيت صاحب الكرم ، مسرعًا وصاح وقال اركض يا علوش كل الكرم وحوش سمع علوش النداء ، فدعا أهله وجيرانه وأخبرهم بالأمر ، وفي الحال تسلحوا بالعصي والسكاكين وأسرعوا في اتجاه الكرم .
وكان أبا الحصين قد سبقهم إليه وأخبر أصدقائه بالأمر فبادر هؤلاء بالفرار وغادوا الكرم قبل وصول المهاجمين ولكنهم غادروا وفقد فقدوا ذيولهم والصرخات تتعالى من شدة الألم ، وبعد حين لقي الضبع أبا الحصين في أحد الحقول ، فأمسك بيه بشدة وقال لن تفلت مني هذه المرة .
وتكلف أبا الحصين العبوس وقال سامحك الله يا سيدي فأنا لم أرك قبل هذا اليوم ، ويلك وهذا الذيل المبتر ألست أنا الذي قطعته لك عندما هربت مني ، فقال له لا يا سيدي أنا من عائلة جميع أفرادها مبترون الذيول ، انظر ونظر الضبع فيما حوله فرأى عددهم منهم مبترون الذيول ، فأطلق أبا الحصين وهو يتعجب مما يرى ومضى ابا الحصين في سبيله والضبع يتعجب ويقول ما أنكر هذا المخلوق وأدهاه ..