قصة أحزان

اتفقنا أن لا نبكي أمام السجان ، حتى لا يكتشف سر النهر ، الذي يروي أرضنا ، كان مساءًا جميلاً رغم الظلمة ، والسكون والصمت القاتل ، أعلنت فيه تحرري من السلاسل والقيود الصدئة ، أما ذلك الجسد المكتظ أقسمت بالإخلاص ، والحب ، أن أكتب عن الذين يحملون جراحاتهم .

الدموع وحدها لا تكفي :
يوم أهدتني كتابا أهدتني عذاباتها الممزوجة بالأنين ، المحبوس داخل تنهداتها المطلسمة ، حينها كنت أود أن أقول لها أن الدموع وحدها لا تكفي ، حينما تتفجر الآهات ويبقى ما في القلب من خشوع .

بكاء بلا دموع :
صمتّ لأنني أعرف أنها تبكي بلا دموع ، تخشى أن يشاركها أحد في أحزانها ، تجعل من دموعها اللامرئية بلورات حارقة تذيب شبابها ، تضحك وتظهر السعادة والانشراح ، أمام الناس والبراكين النازفة تحرق كل مسامة في جسدها .

رحلة البحث :
الكتاب بين يدي وأنا أسير في المدينة المظلمة ، أحس بقلبي يقأ نبضات الحروف ، رحت أعدو بخطوات سريعة ، وعلى ضوء الفانوس المنكسر ، رحت أقلب صفحات الكتاب ، ثمة خطوط سود تحت الكلمات التي لها طعم الغربة والسفر ، إلى عالم بعيد أجهله ، تراءى لي أنها تبحث عن صديق رحلتها ، رحلة الحب والعذاب ، عن زوجها المسافر في اللامكان.

تخفي وخطوط سوداء :
صار كل خط سوطًا يضربني ، ويبعث في داخلي الهواجس والأحلام ، قلت في سري بامتعاض : لن أقرأ لهذه المرأة التي ترتدي ثياب غادة السمان ! ورحت أقفز كطير منكسر أبحث في اللاشيء ، سوى الخطوط السود التي رسمتها بمرارة ، يوم آخر ، وليل آخر ، وكتاب آخر ، وخطوط سود أشد ظلمة وأكثر مرارة ، انها امرأة يعتصر قلبها خلف قضبان الزمن القاسي ، تخفي وجهها عن العيون المتلصصة في النهار ، وفي المساء حين يسدل الليل الشاحب ستاره تفيض بالأسى ، وتصعد أنفاسها المحمومة في الفضاء ، ولا تكف العيون عن الدوران .

البحث عن زوج :
تحترق وتذوب أمامهم كشمعة ، رغم ربيع عمرها الذي لم ينته بعد ، تغفو الشمس وتتباطأ عند المغيب ولا تود الرحيل ، تريد أن تمنحها يومًا طويلًا ، بالتأمل فرصة للبحث عن زوج يزيل عن صدرها الأشواك ، إنها تسمع همسًا خفيًا دائمًا : لا تمزقين ثوب الأمل ، لابد أن يكون المسافر هناك ، خلف شجرة الصنوبر ، مع طائر النورس الحزين .

بلا وداع :
أيقظني ظهورك سيدتي رغم شتائي الطويل الممتد عبر الأزمنة ، لا أعرف كيف أورثتني الحياة فرصة للتمرد والعصيان ، يداك الناعمتان كانتا أقوى من كل القيود والسلاسل وهي تكسر جدار صمتى وخوفي ، وتكشف عن فوهة بركاني ، امنحيني الثورة كبت السنين مزق أحشائي ، تنهداتك هي محطتي الأخيرة هي مرفئي الأخير ، ثلاثين عام لم يمر أحد في بحر أحزانك ، وأمواجك تصرخ منذ أن سافر بلا وداع .

أحزان :
مزقي كل تذاكر السفر وابقي معي ، ستسمعين صوتي يتدفق كنهر منساب من أعلى قمة مسكونة بالحب والعذاب ، أحزاننا هي سعادتنا المشتركة ، كلانا ينتظر الآخر ، لغلق باب الأحزان .