قصة الشيطان يبكي

ليت النبي سليمان العظيم قد حبسه في قمقم نحاسي ، كالذي قرئنا عنه في قصص ألف ليلة وليلة ، لو فعل ذلك لاستطاع الآن أن يعود إلى سجنه ، فذلك السجن سيكون رحيمًا معه ، شفيقًا به ، ولن يشعر فيه أنه مهدور القيمة ، غير مهيب الجانب ، وإن كانت العودة إلى سجنه تبدو هي الأخرى أمرًا بعيد المنال !

الشيطان يبكي :
ماذا حدث للبشر ؟ إنه الشيطان ، فكيف يغدو في أيديهم لعبة خرقاء ترجو الخلاص والرحمة ؟ ألم تسمعوا عني ؟ أنا الشيطان ، أنا عدو الرب ، أين جبروتي ؟ قال الشيطان بصوته اللئيم الخشن ، فارتجت السماء والأرض ، واضطربت الأمواج ، ثم استكان صوته ، وغاب في موجه أسطورية من البكاء .

في انتظاره في السماء الأولى :
تساقطت دموع الشيطان كسفًا من النار على الأرض ، ووصل بكائه وشهيقه إلى عنان السماء ، الملائكة أمرته بحزم أن يكف عن ازعاجه للسماء ، لكن الشيطان استمر في بكائه النادر ، تمنى في قرارة نفسه ، وكاد يتمنى من أعمق قلبه ، إلا أنه تذكر ألا قلب له أن يجد أحدًا يرثى له هو في حاجة إلى الحب نعم الشيطان لأول مرة عبر تاريخه الوحشي يحتاج إلى الحنان .

حتى أنه فكر في أن يقبل أعتاب عرش الرحمن ، ويطلب مغفرته ، ويقلب بذلك تاريخ الديانات كلها ، وليجد البشر بعدها شيطانًا بمثل نشاطه وإخلاصه لقضيته ، ولكنه تذكر أن في انتظاره في السماء الأولى ، ولن يستطيع أبدًا أن يدنو من السماء .

الحزن حتى الموت :
بعد ساعات من بكائه المتصل ، أرسلت فرقة عسكرية دولية لمكافحة الشغب ، ومنعته إلى الأبد من البكاء ، وهددت بالزج به في أبشع أنواع المعتقلات إن عاد إلى جريمة البكاء التي تحرق الأرض ، وكتبت في تقريرها : إنّ عملية إقناع الشيطان تمت بطريقة سلمية وحضارية ! عندها عجب الشيطان من اختلاف المصطلحات من عصر لآخر ، ولكن هيئة الأمم المتحدة كانت رحيمة معه ، إذ سمحت له بأن يشعر بالأسى كما يشاء ، بل انها أبلغته رسميًا ، بحقه بالحزن حتى الموت .

سليمان العظيم وسجن الشيطان :
كان شيطانًا رجيمًا في زمن النبي سليمان العظيم ، كان يوسوس في صدور الناس ، ويرهقهم فتنة وشرًا ، وأخيرًا ظفر به سليمان فحبسه لمليون سنة ، بين لجج البحر وزبده ، عانى الأمرين في حبسه ، وانتظر ثانية فثانية ، ليخرج من سجنه ، ويمارس تسليته الوحيدة ، ولكنه الآن يتمنى لو أنّ سليمان موجود ليعيده إلى سجنه ، فذلك المكان المائع المضطرب أرحم به من البشر .

تلميذًا غرّاً في جامعة عريقة :
كان شيطانًا عندما كان البشر بشرًا ، لكنه الآن يجهل ما تراه سيكون بعد أن غدا البشر شياطين ! كان يتوقع أن نشاطه الشرير المكبوت لمليون سنة سيفجر الدنيا خبثًا وشرًا ، ولكنه كان مثل عيدان كبريت في حقل مفرقعات نارية ، الدنيا كانت تمور بخبثها وشرها ، حاول جاهدًا أن يجد له مكانًا في عالم الشر ، لكنه بدا تلميذًا غرّاً في جامعة عريقة ، لقد لهى الناس به ، وحار في ألاعيب شرهم ، وعجب : أنّى لهم كل هذا الشر ، وهو لم يلقنهم إياه !!

العسكريون والأطفال الأبرياء :
كاد يموت من الجوع في هذا العالم ، ولم يجد من يشفق عليه ، عزاؤه الوحيد أن لا أحد من الجائعين يجد أحدًا يشفق عليه ، ويرحم جوعه وعوزه ، أحدهم عرض عليه أن يستثمر اسمه الشرير المشهور في مشروع ، إذ أرد أن يفتح تحت اسمه مقهى شهيرًا للجنود الذين يعسكرون في مكان ما في العالم ، ويلهون بجماجم الأطفال الأبرياء ، ومع أنّه وافق على ذلك إلا أن البشري اللعين قد خدعه !

مكان خلف الشمس :
ولم يعطه شيئًا ، مقابل استثمار اسمه ، بل انه كاد يرسله إلى مكان خلف الشمس كما قال له ، وتساءل الشيطان : هل وصل البشر إلى الشمس أيضًا ! شعر الشيطان أن زمنه ولى دون رجعه ، وقد جاء زمان البشر الشياطين ، تذكر أمجاده وكاد يبكيها ، ولكنه تذكر في الوقت المناسب دموعه الملتهبة وما ستجنيه عليه من كوارث .

في الزمن الغابر :
تساءل من سيكون بعد الآن ؟ شعر وأنه لأول مرة في حياته ، يحب سليمان العظيم ، لأنه حماه زمنًا طويلاً دون أن يدري ذلك من أولئك البشر الذي يشارفون على الوصول إلى شفير جهنم ، وشك أنهم سيسمحون له بأن يقودهم إلى هناك ، كما تذكر الكتب السماوية ، وكما تحدى الرب بوقاحة في الزمن الغابر .

رغم كل شيء يكرههم :
حسنًا أن بعض البشر باتوا يعبدونه ، ولكن ليس خوفًا منه ، ولا أيضًا اعترافًا بفضله ، مع أنه لا يذكر أنّ له فضلاً عليهم ، ولكن حبًا في لطفه وإعجابًا في رقته مقارنة مع فظاظتهم وقسوتهم ، تمنى لوأنه يستطيع أن يحرق أولئك الذين يعبدونه ، لأنه رغم كل شيء يكرههم ، ولا يستطيع أن يهبهم شيئًا سوى الكره .

الشياطين في هذا الزمن :
وفي زيارة سريعة قام بها لهم ، عجب من تلك السلوكيات العجيبة والشريرة التي سبقوه لها ، خمن أنهم تفوقوا عليه ، كاد يطري عليهم لولا أنهم طردوه ، ورفضوا زعامته ، وأعلنوا أنهم الشياطين في هذا الزمن .