قصة أشهر رحلة حج في التاريخ

في القرن الثالث عشر الميلادي وبالتحديد في منطقة غرب إفريقيا كانت مملكة مالي من أعظم الممالك الإسلامية في زمن وصلت السيادة الإسلامية فيه إلى سواحل المحيط الأطلسي ، وكانت مملكة مالي مكونة من خمسة ممالك حينها .

كان الإقليم الأول يسمى مالي وتمكن حاكم مالي من السيطرة على كل الأقاليم وضمها تحت حكمه وأعطى تلك المملكة الموحدة اسم مالي ، وتشير الروايات إلى أن أول حاكم لهذه البلاد هو جورماندانا وهو من أول من اعتنقوا الإسلام في هذه البلاد .

وتحكي قصة اعتناقه للإسلام أن المملكة تعرضت أثناء حكمه للجفاف وظل لسنوات عديدة ، فقدم الملك عددًا هائلًا من الماشية قرابين وأضاحي للآلهة حتى يسقط المطر ولكن دون فائدة ، وكان يعيش بالبلاد رجل مسلم فذهب إلى الملك وقال له إذا اعتنقت الإسلام فإن الله عزوجل سوف يرحمك ويصب عليك الخير صبًا .

فاستجاب الملك لنصيحة الرجل وأعلن إسلامه ، وبدأ في صلاته لله الواحد الأحد ودعا الله عز وجل بالخير ، فاستجاب الله لصلواته ودعائه وأمطرت السماء وعم الخير بالبلاد والعباد ، فأمر الملك بتحطيم الأصنام ولكن رغم ذلك ظل الكثير من أهل مالي على وثنيتهم لفترة من الزمن .

وتوالى الحكام المسلمين على مالي ولكن كان أشهرهم على الإطلاق الأمير الأسد منساة موسي بن أبي بكر ، وقد أدى هذا الملك فريضة الحج الأشهر في التاريخ عن طريق البر من غرب إفريقيا عبورًا بمصر في عصر المماليك ، وذلك في عهد السلطان العظيم ركن الدين بيبرس ثم من مصر إلى الحجاز .

كان منساة موسي متمسكًا بدينه رغم طول المسافة والبعد وأراد زيارة بيت الله الحرام حتى ينعم بالقرب من مولاه ، وكان شابًا أسمر البشرة وسيمًا طويل القامة ممتلئ الجسم ، بدأ منساة رحلته من تمبكتو ومعه حاشية كبيرة جدًا تقدر بحوالي 60 ألف ؛ منهم 15 ألف جارية ويقدر عدد من حملوا الأمتعة 12 ألف حمال يلبسون الحرير وأفخم الثياب .

وذات يوم أثناء الرحلة طلبت زوجة الأمير منساة وكانت تدعى إنار أن تستحم وهم في منطقة تقع بين توات وتفازة ، فأمر الملك بحفر بحيرة صناعية إرضاءً لزوجته ، حيث نام الملك واستيقظ ذات ليلة فوجد زوجته مازالت مستيقظة ، ولما سألها عن سبب ذلك قالت له أنها تريد البحر ، فأمر بتفريغ المياه التي يحملوها معهم في الحفرة حتى امتلأت وتضاربت بها الأمواج مثل موج البحر .

وعندما وصل منساة موسى إلى مدينة القاهرة يوم 16 رجب سنة 724 هجرية أقام بجوار الأهرامات ، وذهب إلى القلعة ليسلم على السلطان محمد بن قلاوون الذي أكرمه ، وبعث إليه بالهدايا في مقر إقامته بالأهرامات آنذاك .

وكان الملك منساة موسي يحمل كمية كبيرة جدًا من الذهب تقدر بثمانين حملًا من تبر الذهب ، وزن كل حمل 300 رطل وكان هذا مبلغًا عظيمًا أثر على التعاملات الاقتصادية حينها .

فقد أدت تعاملات الملك وقت إقامته إلى انخفاض سعر الدينار الذهبي ستة دراهم بالأسواق ، وكانت تعليمات السلطان حينها بالعمل على راحة الأمير منساة موسى ، وكان الأمير منساة سخي جدًا مع كل الحجاج الذين معه بالرحلة ، فكان يحصل الدليل الذي بصحبته على 100 مثقال من الذهب .

وعندما وصل مكة أنفق الكثير من المال وتصدق بالكثير على الحجاج والأهالي بالمدينة المنورة ومكة ، وعندما عاد إلى القاهرة كان سخيًا جدًا مع الجميع ، فكان الملك منساة يريد توطيد علاقته مع المماليك .

وتقول بعض الروايات أنه قتل أمه عن طريق الخطأ ، فندم وتصدق بمالٍ كثير وقرر أن يصوم عامًا كاملًا ويستغفر ربه عما فعل ، كما ذهب إلى مكة والمدينة ليحج تكفيرًا عن ذنبه .

فكانت رحلة أسطورية شهدها التاريخ ، وساعدت أيضًا علي نشر الإسلام بغرب أفريقيا ونشر التجارة البينية بين أفريقيا من شمالها إلى غربها وشرقها ، ووطدت الصلات بين مملكة مالي ومصر وأرض الحجاز .