قصة بوجلود

ضربت ميشيل على المقود بانزعاج وهي تقود سيارتها الصغيرة ، وسط شوارع الدشيرة المدينة القديمة بأكادير ، والتفت لزوجها فريديريك ، قائلة : لقد قلت لك لا تناديني ميشيت ، وإلا عدت أناديك فريدوي ، قال ضاحكًا : حسنًا .. لا تنزعجين ، ألا يحق لي مداعبتك يا حبيبتي ؟ .. مطت شفتيها وقالت وهي تعود بعبنيها إلى الطريق تحاول العثور على ثغرة وسط الزحام : ولكن ليست المداعبة السخيفة .

سخط ودهشة :
أردفت بسخط وهي تضرب على بوق السيارة : وهؤلاء الملاعين الجهلة ؟متى سيتعلمون النظام ؟ لقد أقفلوا الطريق ، نظر لها فريديريك بدهشة ، زوجته ميشيل عصبية نعم ، لكن ما يزعجه فيها تعصبها المفرط ، قال مبتسمًا : رويدك يا عزيزتي ، أنت تعلمين أن اليوم عندهم عيد ، قالت ساخرة : عيد ماذا ؟ عيد التضحية ..هؤلاء الوحوش .. قال فريديريك بانزعاج : توقفي عن قول ذلك تبدين سخيفة ..

السائحان الشابان في المغرب :
كانا قد غادرا الفندق الذي يقيمان فيه ، على خليج أغادير في نزهة صباحية لزيارة المدينة القديمة ، سائحان شابان يزوران المغرب للمرة الأولى ، استأجرا السيارة الرونو الصغيرة ، وانطلقا دون مرشد يفرض عليهما خط سيرهما يبتزهما عند كل محل بازار … فتح الطريق في تلك اللحظة فانطلقت ميشيل ، وهي لا تكف عن السخط والاستهزاء على نحو أزعج فريديريك ، بحق وتساءل هل لأصول زوجته اليهودية علاقة بهذا ؟

مظاهر العيد:
تذكر استخفاف زوجته بعدم اصطحاب دليل سياحي ، ذلك اليوم طلب مبلغًا كبيرًا متعللاً بعدم تفرغه لظروف العيد ، فاعتبرته لصًا وقررت أن يقوما بالجولة وحدهما ، على الأقل كان سيقودهما عبر طرق مختصرة بالمدينة القديمة ، وسيعرفهما أكثر على مظاهر العيد ومعانيه لدي البسطاء هنا ، كان يحسدهم على السعادة المتفجرة في عيونهم .

كانت ميشيل تسرع وهي تقول بانفعال : انهم يذبحون الخراف كالهمج ، ويحتفلون بذلك البدائيون ، شخص ببصره في منظر الأطفال يتسابقون في الشوارع بملابس العيد ، وتشع السعادة من أعينهم ، قال لها : تقولين ذلك وكأنك نباتية ؟ أجابت بسرعة : أنا آكل اللحم صحيح ، ولكنني لا أتمتع بذبح الحيوان وسلخه وشوي الرؤوس ، قال بأسف وهو ينفحص ملامحها : أنت ظالمة يا عزيزتي !!

الوحش البشع :
ردت عليه بقسوة : وأنت حمل وديع ! … لفت انتباهه الأطفال وهو يجرون في الشوارع الضيقة الشعبية ، والرعب باد على وجوه بعضهم في أشد صوره ، دموع غزيرة يطلقها أطفال آخرون مصحوبة ببكاء يمزق القلوب ، دق قلبه بقوة وهو يشعر بأمر جللا على وشك الحدوث ، وقد كان ..

خرج في تلك اللحظة ، عبر نفس الزقاق الذي هرول منه الأطفال ، وحش بشع ، اندفع نحو السيارة كالقذيفة ، كان يجري على قدمين ، أول ما طرق ذهن فريديريك ، والزمن يتوقف بالنسبة له كمن تعرض لصدمة ، هو أنه أمام مخلوق خرافي ، كان الوحش البشع بطوله تقريبًا مع رأس شيطاني لخروف أقرن ، وجسمه مغطي بصوف متسخ تصله رائحته القذرة إلى السيارة .

هجوم ومحاولة هروب :
ندت الصرخة من حلق ميشيل ، مخرجة زوجها من حالة الصدمة ، فانتفض وقد وقف شعر بدن كالإبر ، لم يملك حتى الوقت ليلتف ناحيتها ، شعر بالسيارة تهتز نحو اليسار ، وزوجته تدير المقود في حركة بالغة الخطورة مع السرعة التي تنطلق بها ، في جزء من الثانية تنقلب السيارة بعنف وجسده يندفع نحو الزجاج الأمامي ، أحس بالموجودات حوله تتذبذب ، حاول طرد الغشاوة الثقيلة عن عينيه ، سائل دافئ يهبط من جبهته ويسيل على وجهه ، أحسن بمذاق الصدأ في فمه ، وألم ينتشر في جسمه .

آخر ما التقطته عيناه ، هو مجموعة من الوحوش ، تخرج من السيارة ، جسد زوجته ، مهشم الوجه مغطى بالدماء ، صرخ بكل ما بقي بقوته من حلقه ، قبل أن يبسط الظلام سيطرته على وعيه .

الكابوس :
استيقظ فريديريك ببطء ، نظر حوله ليتأكد فعلاً بأنه نائم على سرير المستشفى ، حاول تحريك رأسه ، وأحس بأنها تزن أطنانا ، ماذا حصل ؟ تساءل أزوجته بخير ! حاول النهوض من السرير ، لكنه انتبه فجأة للرائحة الشنيعة ، تقلص أنفه وهو يتذكر أين شم مثلها ؟ قبل الحادثة بقليل .. رائحة الصوف ، برعب اكتشف أن وحش يخرج من أسفل السرير الذي ينام فوقه ، رأس خروف بقرنين شيطانيين ، وجسم مغطى بصوف أسود بني كريه الرائحة ، تجمد في مكانه غير مصدق أنه يعيش كابوسًا .

انفتح باب الغرفة بعد صرخاته الهيستيرية ، فقط ليدخل وحشان آخران ، حاول القفز من على السرير ، فقط ليدخل وحشان آخران يتقدمان منه بسرعة وهما يرمقانه بوحشية ، حاصرته الوحوش ، لكنه تعثر وسقط أرضًا ، دموع غزيرة تنهمر من عينيه ، يحس أنه ينتهي .

المصحة النفسية الفرنسية :
تساءل د.جون وهو يغادر الحجرة برفقة البروفيسور باتريك ، في مصحة نفسية بتولوز الفرنسية : ما حكاية هذا المريض ؟ لقد جاءنا منذ ستة أشهر بصدمة عصبية ، كان في المغرب برفقة زوجته وتعرضا لحادث بالسيارة ، فقدت فيها زوجته حياتها ، والوحوش التي يراها في هلاوسه المستمرة هاته ؟

بوجلود وهالويين :
يقول ملفه أن أشخاصًا متنكرين أفزعوا زوجته عن غير قصد ، كانوا يحتفلون بأحد الأعياد البدائية بالمغرب ، يلبسون جلود الخراف ، ويطاردون الناس بالشوارع ، شيء كالكرنفال يسمونه بوجلود ، هز الطبيب الشاب رأسه ، وكاد يقول شيئًا قبل أن يسمع ، صوت د.عمر الأسمر المتخرج حديثًا يقول من خلفهما : أنت ظالم في قولك يا بروفيسور ، تتهمنا بالبدائية ، بينما ترون احتفالات الهالويين ، وهي لا تختلف كثيرًا عن كرنفالات بوجلود شيئًا عاديًا ، التفت إليه باتريك ، وتوقف حتى  التحق به الطبيب الشاب المغربي ، ثم انخرطوا في حديث طويل .