قصة شركة كوداك من النجاح إلى الإفلاس

منذ أكثر من قرن كامل تأسست شركة كوداك من قبل العالم جورج إيستمان وتربعت على عرش صناعة الكاميرات لما يقرب من 133 عام ، ولد جورج ايستمان عام 1854م وقام بتأسيس تلك الشركة في عام 1892م ، وهو من اخترع الفيلم الملفوف الذي حقق شعبية هائلة في مجال التصوير الفوتوغرافي ، وكان هذا الفيلم الملفوف أساسًا للفيلم السينمائي مما جعل الشركة تحقق سيطرة كاملة على مستوى العالم كله في مجال التصوير الفوتوغرافي .

كان جورج ايستمان يريد الانتشار حول العالم فأنتج كاميرات رخيصة ، فقد كان مخططه أن يمتلك كل شخص حول العالم كاميرا كوداك الخاصة به ، وبالفعل انتشرت كاميرات كوداك حول العالم بفضل استراتيجيته تلك ، كما أنتج ايستمان أيضًا الأفلام الملفوفة والمواد الكيميائية والورق حتى قادت كوداك نفسها نسبة 90 % من مبيعات الأفلام ، و85 % من مبيعات الكاميرات في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها .

وكان جورج إيستمان رجلًا محبًا للخير فأسس معاهد في الطب وطب الأسنان وشيد الحرم الجامعي لمعهد ماساتشوستس للتقنية ، ولكنه رغم ذلك مات منتحرًا وترك رسالة يقول فيها (تم عملي فلم انتظر) ، وبعد وفاته أصبح بيته متحف دولي للتصوير والسينما ، وظلت الشركة مسيطرة علي هذا المجال حتى عام 1984م ، عندما بدأت شركة فوجي اليابانية تدخل إلى السوق الأمريكية .

كانت شركة فوجي تستخدم الكاميرات الرقمية ، وتعتمد علي التكنولوجيا الرقمية الحديثة لذلك بدأت تسحب البساط من تحت قدم الشركة العملاقة في هذا المجال فقد كانت كوداك تعتمد علي سياسة المنتج الرخيص والبيع الكثير ، ولكي تحصل علي حصة تسويقية كبيرة وبعد ذلك تحقق انتشار عالمي ، ونجح هذا بالفعل إلى أن دخلت تكنولوجيا جديدة في التصوير وهي التكنولوجيا الرقمية التي لم تواكبها كوداك .

ولم تعد الشركة تظهر ضمن قائمة داوجنز لأكبر الشركات الأمريكية منذ 2004م ، حتى وصل سعر السهم فيها إلى أقل من دولار فقط ، فقامت الشركة في عام 2012م بإعلان إفلاسها كي تحمي أصولها من الدائنين ، وكانت ثورة التصوير الرقمي التي لم تواكبها الشركة هي السبب الرئيسي في ما حدث لها ، ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك :

أولًا : أن الشركة لم تواكب التطور الذي حدث منذ 1984م عندما ظهرت شركة فوجي اليابانية على الساحة ، وأثبتت أول دخول لها بسوق الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن شركة كوداك نفسها لم تتخيل أن المستهلك الأمريكي سيشترى ماركة غريبة عنه ، لذا استمرت الشركة بنفس أسلوبها في الإنتاج مع زيادة الإعلانات فقط .

ثانيًا : لم تتخذ شركة كوداك وسيلة للتغير الثوري والجزري لمنتجاتها بالرغم من دخول منافسين لها وبتكنولوجيا جديدة ، فقد كانت المؤشرات واضحة بإعلان شركة سوني أنها ستطرح كاميرا رقمية بدون فيلم ، ويمكنها عرض الصور علي الشاشة ويمكن طباعتها أيضًا ، ورأت شركة كوداك أن ذلك صعب ولكن بعد ما حدث رغبت كوداك أن تساير هذا التطور ، ولكن بشكل بطيء فقد كان من الصعب أن تترك إرث قرن من الزمان .

ثالثًا : إن معظم المحللين لفشل كوداك أشاروا إلى أنه كان يجب علي كوداك أن تندمج ، وتستحوذ علي معظم المنافسين الذين قد يوفرون لها إمكانيات جديدة تسهم في تطورها ، وهذا ما يحدث اليوم فنحن نشاهد كيف تستحوذ شركة جوجل من فترة إلى أخرى على منافسين جدد ، وهذا الاستحواذ يقدم لها منافع كبيرة جدًا .

رابعًا : لقد أغرى الانطلاق نحو العالم وحب الانتشار شركة كوداك ، ولكنها وقعت في مشكلة أن ثقافات ونمط الزبائن حول العالم مختلف كليًا ، وكان لابد من أن تحدد شركة كوداك خططها المستقبلية بشكل دقيق جدًا ، ولكن وسط هذا الزخم التكنولوجي لم تستطع كوداك من تحديد ما تريده بالضبط ، ولم تتمكن من إدراك المستقبل الرقمي وهذا كله كان سببًا في إفلاس الشركة العملاقة التي قادت صناعة الكاميرات في العالم .

ولعل ما حدث مع كوداك مؤشر قوي على النهج الذي يجب أن تتخذه كل الشركات العملاقة في تعاملها مع المستهلك واندماجها في الأسواق العالمية ، فيجب أن يكون لكل شركة فريق عمل مستقل تمامًا يساعد علي تطوير منتجات الشركة ومواكبة التطور باستمرار .

وأيضا يجب أن تتبع الشركات سياسة الاستحواذ وشراء الشركات الصغيرة المتطورة في مجال عملها ، بالإضافة إلى اللجوء للحلول الإبداعية المبتكرة في حل المشكلات والاهتمام بعمل الدراسات التسويقية ، لمعرفة تفضيل وميول المستهلك حتى تظل دائمًا من نجاحٍ إلى أخر .