قصة عبدالله خياط

لقد كرم الله العلم والعلماء وجعلهم ورثة للأنبياء ، فأي منزلة أعظم من تلك ؟ فالعالم يحمل على عاتقة رسالة عظيمة لتثقيف البشرية وتوعيتها بأمور الحياة ، وقد كان الرسول سبحانه وتعالى هو معلمنا الأول الذي علمه الله القرآن فعلمه لنا ، وعن المعلم نظمت الأبيات الشعرية ورددت على مسامع جمهور المتعلمين ، فلا فضل بعد الله ورسوله لأحد سوى العلماء الذي يقضون حياتهم سعيًا وبحثًا وراء العلم لكي ينشرونه دون مقابل أو أجر ، فقط لأنهم حملوا الرسالة.

النشأة والميلاد :
هو الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط ابن مكة المكرمة وجار المسجد الحرام الذي ولد عام 1326هـ ،  وترعرع في كنف العلماء ، وتحت ظلهم ، وقد كان من بيتًا عرف قيمة العلم والأدب ؛ فوالده كان مُطلع على الفقه الحنفي وعلوم التفسير ، وتلقى الشيخ تعليمه الابتدائي في مدرسة الخياط بمكة المكرمة ، وحصل على الثانوية من المدرسة الراقية في حكومة الهاشميين ، وبعدها حفظ القرآن الكريم كاملًا.

ظل الشيخ عبدالله يتدرج في التعليم حتى التحق بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة ، وأنهى به تعليمه عام 1350هـ ، وقد ساعده وجوده بمكة المكرمة على مقابلة منابع العلم الإسلامي من العلماء الوافدين على مكة والخارجين منها ، وقد كان لهذا الشيخ المجل صوتًا عذبًا طالما انطلق وسمعناه عبر أثير إذاعة صوت الإسلام من مكة المكرمة ، كما تتلمذ على يده الأمراء والعلماء والقضاة.

أعماله :
عام 1346 هـ صدر المرسوم الملكي بتعيين الشيخ عبدالله خياط إمامًا للمسجد الحرام ، وكان حينها يساعد الشيخ عبدالظاهر أبو السمح في أداء صلاة التراويح بينما ينفرد وحده بصلاة قيام الليل ، وبعدها بعام واحد صدر الأمر بتعيينه عضوًا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعد قرابة خمس سنوات عين الشيخ مديرًا للمدرسة الفيصيلة بمكة المكرمة .

وفي عام 1352هـ اختاره الملك عبدالعزيز رحمه الله ليكون معلمًا لأنجاله ، كما عينه مديرًا لمدرسة الأمراء بالرياض عام 1356هـ ، واستمر في تلك الوظيفة حتى وفاة الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1373هـ.

وقد كان الملك المؤسس يعزه ويقدره حتى أنه كان يسارع بتلبية طلباته هو وزملاؤه المعلمين ، وكانوا كلما حضروا مجلسه أجلسهم على يمينه ؛ فقد كان رحمه الله يعرف قيمة العلم والمعلمين في بناء الأمم ، وقد ذكر الشيخ نفسه كل هذا في مذكراته وأفرد صفحات عن معاملة الملك المؤسس الحسنه له وللمعلمين زملاؤه .

المناصب التي تقلدها :
لم يكن الشيخ رحمه الله من الذين يبخلون بوقتهم أو علمهم فبعد وفاة المؤسس انتقل الشيخ إلى الحجاز ، وعين فيها مستشارًا للتعليم بمكة المكرمة ، ثم أسندت إليه إدارة كلية الشريعة ، بالإضافة إلى كونه إمامًا وخطيبًا للمسجد الحرام ، وبعدها صدر الأمر بتعيينه عام 1380هـ رئيسًا للجامعة الإسلامية الموجودة بالمدينة المنورة إلا أنه اعتذر لظروف خاصة كان يمر بها ، وبعدها اختير ليكون عضوًا في مجلس إدارة كليتي الشريعة والتربية بمكة المكرمة بناء على رغبة وزير المعارف .

وقد كان رحمه الله عضوًا بارزًا في هيئة كبار العلماء ، كما تم ترشيحه عضوًا في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي عام 1393هـ ، وفي عام 1391هـ في سابقة قلما تحدث تم استثناء معلم الأمة عبدالله بن خياط من النظام وتقرر عدم إحالته للتقاعد مدى الحياة ، ليظل دائمًا منبعًا يفيض بالعلم والمعرفة .

كتبه ومؤلفاته :
لقد كان الشيخ بن خياط رجلًا غزير العلم دون كل ما عرفه على الورق ، وعلى الرغم من كثرة أعماله وانشغاله الدائم إلا أنه فرغ ما وهبه الله له من علم وطاقة في المذكرات والكتب ، فخلف من بعد وفاته إرثًا علميًا ضخمًا تمثل في عدد كبير من الكتب النافعة ، وأهما التفسير الميسر ، وكتاب اعتقاد السلف ، وأيضا كتاب الخطب في المسجد الحرم ، وأصدر منه ستة أجزاء ، والمصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، وما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه ، وكتابه قصة الإيمان ، والكثير من كتب العلوم الإسلامية الرائعة .

وفاته :
لقد أطال الله في عمر الشيخ عبدالله خياط حتى رأى المكتبات العربية تمتلئ بمجلداته وكتبه العلمية والأدبية ، وطلابه يملئون الجامعات والمعاهد العلمية والأدبية ، ووافته المنية عام 1415هـ عن عمٍر حافٍل بالعلم والعمل ، رحم الله ذلك الرجل الذي طبق قول رسول الله صلّ الله عليه وسلم : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، وقد خلف لنا الشيخ إرثًا علمياً مازلنا ندعو له به نحن ومن بعدنا سيدعو أبناؤنا .