هو أبو سليمان عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح قال عنه الرسول صلّ الله عليه وسلم من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم بن ثابت شهد مع النبي صلّ الله عليه وسلم عزوتي بدر وأحد وقد عُرف عنه مهاراته في الرماية وشجاعته في القتال ، وكان من الأنصار من بني ضبيعة بن زيد بن الأوس وأمه هي الشموس بنت أبي عامر بن صيفي شهد مع النبي صلّ الله عليه وسلم في بيعة العقبة .
بلائه يوم أحد :
جمعت قريش رجالها وعبيدها للقاء النبي صلّ الله عليه وسلم فقد كانت الإضغان تشحن صدورهم وأخرجت معها العقائل من نساء قريش ليحرض الرجال على القتال ، وكان من ضمنهم هند بن عتبة وسلافة بنت سعد ونساء كثيرات غيرهن ولما التقى الجمعان وأخذ نار الحرب تشتعل قامت هند بنت عتبة ومن معها من النسوة فوقفن خلف الصفوف وينشدن ما يضرم في صدور الفرسان الحمية .
ثم بدأت المعركة وكما نعلم لم يستمع الرماة لكلام النبي وغلبت دفة الحرب لصالح قريش ، ولكن سلافة بنت سعد كان لها شأن أخر فقد ذهبت لأرض المعركة تتفقد زوجها وأولادها الثلاث كلاب وجلاس ومسافع فوجدت كلاب ومسافع قد فارقوا الحياة ولكن جلاس كان يصارع الموت فذهبت إليه وسألته من صرعك فقال بصعوبة صرعني عاصم بن ثابت وصرع أخي كلاب وأخي مسافع وكذلك أبي .
فجن جنون سلافة بنت سعد وأقسمت ألا تهدأ لها لوعة أو تجف لعينيها دمعة إلا إذا ثأرت لها قريش من عاصم بن ثابت وأعطتها عظم رأسه لتشرب فيه الخمر ، ثم نذرت سلافة لمن يأسره أو يقتله ويأتيها برأسه أن تعطيه من يشاء من الأموال والإبل فشاع خبر ندر سلافة في مكة ، وجعل كل فتى من فتيان قريش يتمنى أن لو ظفر بعظم رأس عاصم بن ثابت وقدم رأسه لسلافة لعله يكون الفائز بجائزتها ، وعاد المسلمون من المدينة بعد أحد يترحمون على الأبطال الذين استشهدوا ويتحدثون عن الذين أبلوا بلاء حسنًا فذكروا فيمن ذكروا عاصم بن ثابت .
شجاعة عاصم بن ثابت :
ولم يمضي غير قليل على غزوة أحد حتى انتدب رسول الله صلّ الله عليه وسلم ستة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم لبعث من بعوثه حتى يعلموا أحد من القبائل أمور الدين وأمر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه ومضوا لإنفاذ ما أمرهم به النبي صلّ الله عليه وسلم وفيما هم في الطريق علمت بهم جماعة من هزيل فهبوا نحوهم مسرعين وأحاطوا بهم فشهر عاصم ومن معه سيوفهم وهموا بمنازلتهم فقال لهم الهزليون إنكم لا قبل لكم بنا وإننا أصحاب هذه الديار وجمعونا كثير غفير وجمعكم قليل ضئيل.
موت عاصم بن ثابت :
ثم إننا ورب الكعبة لا نريد بكم شرًا إذا استسلمتم لنا ولكم على ذلك عهد الله وميثاقه فجعل أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم ينظر بعضهم إلى بعض كأنهم يتشاورون فيما يصنعون فالتفت عاصم إلى أصحابه وقال أما أنا فلا أنزل في ذمة مشرك أبدًا ثم تذكر نذر سلافة الذي نذرته وجرد سيفه وقال ” اللهم إني حميت دينك ودافعت عنه فأحمي لحمي وعظمي ولا تظفر بهما أحدًا من الأعداء ” وكر عاصم على الهزليون وتبعه اثنان من أصحابه هما خالد الليثي ومرصد الغنوي ، وظلوا يقاتلون حتى ماتوا واحدًا بعد الأخر وأنا النفر الآخرون من صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم وهم عبدالله بن طارق وخبيب بن عدي وزيد بن الدثونه فقد استسلموا لأسريهم فما لبث الهزليون أن غدروا بهم شر غدره.
ولم يكن الهزليون في بداية الأمر يعرفون أن عاصم بن ثابت هو أحد قتلاهم فلما عرفوا ذلك فرحوا به أشد الفرح ومنوا أنفسهم بجزيل العطاء ولم يمضي على مصرعه بضع ساعات حتى علمت قريش بمقتله فأرسل زعماء قريش رسول من عندهم إلى قتلة عاصم يطلبون منهم رأسه حتى يطفئوا غلة سلافة بنت سعد ويخفف ببعض من أحزانها على أولادها الثلاثة وحملوا مع رسولهم مالًا وفيرًا ، فقام الهزليون لجسد عاصم بن ثابت حتى يفصلوا عنه رأسه فوجدوا أسراب ضخمة من النحل وجماعات من الزنابير قد حطت عليه وأحاطت به من كل جانب فلما اقتربوا من جثته طارت في وجوههم ولدغتهم في أعناقهم وعيونهم وجباههم وكل موضع في أجسادهم .
فلما يأسوا من الوصول إليه بعد أن حالوا الكرة بعد الكرة قالوا لبعضهم دعوه حتى يدخل عليه الليل فإن الزنابير إن حل عليها الظلام حلت عنه وجلسوا ينتظرون ولكن ما كاد ينصرم النهار ويقبل الليل حتى تلبدت السماء بالغيوم الكثيفة وأرعد الجو وانهمر المطر وسرعان ما سالت الشعاب وامتلأت البطاح وغمرت الأودية فلما طلع الصبح قامت هزيل تبحث عن جسد عاصم بن ثابت رضي الله عنه في كل مكان فلم تجده ولم تقف له على أثر وذلك لأن السيل أخذه بعيدًا ومضى به إلى حيث لا يعلم أحد فقد استجاب الله تعالى دعائه وحمى عظمه وجسده .