قصة بقايا امرأة

بصوت حزين منكسر تعتريه الحسرة ويعتصره الألم كانت تقص تلك المرأة قصتها لسبق ، فهي زوجة لرجل انصاع وراء رغباته وتعلق بالإدمان ، فكان له ربًا وسيدًا أما هي فكانت حبيسة لأحواله المتغيرة وأوامره الغريبة ، بدأت رحلتها مع العذاب في سن صغيرة بعد زواجها بقليل ، حيث اكتشفت أن الرجل الذي وافقت على حمل اسمه ومشاركته الحياة رجل مدمن ، وبدأت تحكي قصتها وتقول : كنت أشعر به يتغير يومًا بعد يوم لكني كنت أكذب حدسي .

أصبحت نظرته زائغة وصوته مختلف حتى ملامحه ظهر عليها الوهن والكبر ، رغم أنه كان مازال في الثلاثينات من عمره ، كان ينفعل لأتفه الأسباب وبدأ يضربني بلا سبب ، تصرفاته لم تعد كسابق عهدها ، كل هذه الأمور جعلتني أشك حتى تأكدت أخيرًا حينما وجدت كيس البودره الذي يتعاطاه أمام عيني في غرفة النوم ، قلت لنفسي سأصبر معه لعله يتراجع عما هو فيه .

ولكن ذات مرة وجدته يمسك برضيعي وهو على وشك إلقاءه من شرفة المنزل ، ولكن بفضل عناية الله اختطفته من يده ، أصبحت أنا وأطفالي أسرى لديه لم أعد أشعر أنه زوج يؤتمن ، فهو لا يدرك أفعاله كما أنه يستولى على الراتبي الشهري من أجل أن ينفقه على ذلك البلاء ، حتى ذهبي ومجوهراتي التي كنت أقتنيها سرقها دون علمي وباعها .

لقد تعاطى زوجي كل أنواع المخدر من أقراص وحقن وبودرة ، حتى تمكن منه الإدمان وخف وزنه ، وتحت ضغط مني ومن أسرته وافق على تلقي العلاج ، فطرت من الفرح وأخذته إلى مستشفى الأمل بجدة ، ولكن مع أول مراحل العلاج لم يقاوم ولم يصمد ، هرب من هناك وتركني مرة أخرى أسير في نفقه المظلم ، حاولت معه مرارًا وتكرارًا أن يعود ولكنه كان يرفض ويضربني إن ألححت عليه .

لقد تجرعت معه مرارة الذل وذقت أشد الهوان ، كرهت حياتي وكرهته ولكني رغم ذلك ظللت أشاركه حياته المظلمة ، كنت أموت كل يوم واعتصرني الألم أكثر حينما رأيت طفلي يمرر قطعة من الحشيش لأصدقاء والده ، تمنيت أن أصفعهم جميعًا وألقي بهم خارج المنزل ، لكني كنت أخشى بطشه ، تمكن مني الألم النفسي وعشت كبقايا امرأة مهشمة النفس والكرامة .

لقد ذبح في قلبي كل معنى للحب وأنساني كل القيم ، حينما يعود بي الزمن أفكر كيف تحملت كل هذا ، ولكن صفعة نزلت على وجهي هي التي جعلتني أستفيق من غفلتي ، ففي إحدى الأيام بعد ما تناول زوجي جرعته المخدرة ، سقط على الأرض مغشيًا عليه وفي يده أثار لبودرة الهيروين ، وفي تلك اللحظة رآه طفلي الصغير فذهب بكل براءة ليرى ذلك الشيء الأبيض ، وحينما شرع في تذوقه رأيته فاندفعت نحوه بقوة ومنعته من فعل ذلك .

وكانت تلك هي اللحظة الفاصلة في حياتي ، قررت حينها الهرب من هذا المصير المشئوم ، خرجت من منزلي لأنقذ ما تبقى مني وأنأى بأطفالي عن هذا المستقبل المظلم الذي ينتظرهم ، خرجت وأنا لا أعلم مصيري ولكن كان وجود أبنائي في حضني هو الذي يعطيني القوة ، تنقلت بين الشقق المفروشة وافترشت أنا وأطفالي الشوارع الجانبية في عتم الليل .

لن أنسى قسوة أهلي معي ورفضهم لهربي من ذلك الجحيم ، صرخت في وجههم لا أطيق العيش مع شخص مثله ، أرغب في الطلاق وبعد سنوات طلقت منه ولكني لم أعد كما كنت ، لقد تركني محطمة يتملكني اليأس ويعتصرني الألم ، حتى أنني لم أعد أقوى على العمل ، لذا تقاعدت مبكرًا وفقدت كل رغبة في العطاء ، فبسبب ما اقترفه زوجي لم أسلم أنا وأطفالي من نظرات وألسنة المجتمع .

وأخذت أتساءل : عن أي جرم نعاقب ؟ ما الذنب الذي اقترفته أنا وأطفالي كي يمقتنا المجتمع ؟ ويبتعد الأصدقاء والمعارف عنا ؟ ولكني لم أجد أي إجابة كل ما وجدته نظرات الشفقة ونقيضها من نظرات الاتهام والبغض ، لهذا لم أعد أرغب في الحياة أو الانغماس مع مثل هذا المجتمع الذي يأخذنا بذنب أب طائش لم يكترث بسمعته أو سمعة أبنائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *